بدأ موسم الصيف وعادت التساؤلات حول تأثيرات النمط السياحي على طبيعة وادي قاديشا. عادت السيارات تجتاح الوادي في نهاية كل أسبوع، وتخطّى عدد الزوار الألف كل نهار أحد. البطريركية المارونية كانت قد تقدمت بطلب لتوسيع الطريق في الوادي وتعبيدها، وإضافة أرصفة للمشاة عليها، وأنجز الدراسة مكتب دار الهندسة (شاعر وشركاه). إلا أن المشروع لاقى رفضاً قاطعاً من قبل منظمة اليونسكو الدولية، ما حافظ على وضع الوادي حتى الآن.
وادي قنوبين وغابة الأرز في بشري مصنفان من قبل منظمة اليونسكو على لائحة التراث العالمي لأهميتهما الثقافية والطبيعية، وهما بالتالي يخضعان لشروط تنموية صارمة، إذ يفرض التصنيف إنجاز الإنماء الاقتصادي للمنطقة عبر المحافظة على هوية المكان وعدم تغييرها أو المساس بها. لذا، فكل مشروع لتنمية المكان يجب أن توافق عليه كل من منظمة اليونسكو ووزارة الثقافة اللبنانية. لذا، أرسلت الدراسة التفصيلية لطلب توسيع الطريق الى أربعة أمتار وإضافة رصيفين للمشاة على جانبيها وتعبيدها بالباطون، بحيث تتمكن كل السيارات من الدخول الى الوادي بسهولة كبيرة. وللتذكير فقط، فطريق وادي قاديشا هي طريق زراعية سالكة كل السنة ويصل عرضها الى مترين ونصف وتسير عليها السيارات بسهولة، لكن ببطء.
بعدما تبلغ مكتب اليونسكو طلب توسيع الطريق، طلب إرسال مهندس فرنسي مختص بحماية المواقع الطبيعية يعمل بشكل مكثف مع منظمتي اليونسكو والـ ICOMOS حول إلانماء والمحافظة على المواقع المصنفة على لائحة التراث العالمي. فزار بيار – ماري تريكو الوادي المقدس، ودرس حاجاته وطلب توسيع الطريق، ثم أصدر تقريره الواضح إزاء هذا المشروع. وخلال لقائه في بيروت، «أكد تروفو أنه رفض على نحو قاطع طلب توسيع الطريق لأنه لا حاجة حقيقية إليه. فعدد زوار الوادي يتخطى الألف في النهار خلال موسم الصيف فقط، وبالتالي حاجة توسيع الطريق هذه وتعبيدها مؤقتة وموسمية، ولا يتخطى استعمالها أياماً قليلة في السنة، فذلك لا يبرر على الإطلاق طلب توسيع الطريق الذي سيغير الديناميكية في الوادي طيلة السنة. كما أن طريقاً من أربعة أمتار لا تكفي لحل مشكلة السير لعدد سيارات يصل الى المئات، هذا بالإضافة الى أن المشروع يستهدف زيادة عرض الطريق الى أربعة أمتار من دون النظر في خصوصيات الوادي الطبيعية. فبدل أن تدرس الطريق بحسب تعرجات الوادي، وتنجز بالتماشي مع المتطلبات الحقيقية، أتت جامدة بعرض أربعة أمتار، ما يعني أنه كان سيتم قطع عدد كبير من الأشجار الضخمة، وتغيير شكل الطريق في الوادي وتشوهها بشكل كبير. بالإضافة الى كل ذلك، فالطريق الجديدة محاطة بأرصفة للمشاة، وهذا ما يزيد من عرضها ويغير في حركة الزائرين الذين حتى اليوم يسيرون على الطريق الزراعية وغير محصورين بأرصفة لهم، في حين أن إنشاء أرصفة لهم سيقتل حرية التنقل هذه ويحول مجال تحركهم من 2.30 متر الى نصف المتر». هذه الطريق المعبدة كانت ستكون الخطوة الأولى لتحويل الوادي من منطقة تنتعش فيها السياحة البيئية والدينية الى منطقة سياحة سيارات.
وتداول المسؤولون في مكتب منظمة اليونسكو في بيروت مع المسؤولين في البطريركية المارونية حول تقرير الخبراء للمحافظة على هوية الوادي وروحانيته، فكان تعاطي البطريركية إيجابياً مع الملف وتقبلت رفض المنظمة للمشروع.
لطالما كان وادي قنوبين مصدر مشاكل عديدة بالنسبة الى منظمة اليونسكو وللمديرية العامة للآثار، فإدارة الملف تعتبر الأصعب بين مواقع التراث العالمية اللبنانية الخمسة. فقنوبين يمتد على قرى قضاءي بشري وزغرتا – إهدن، وتتشارك ملكية الأراضي فيه كل من البطريركية المارونية، الرهبنة الأنطونية، والرهبنة اللبنانية، بالإضافة الى مشاعات البلديات والأملاك الخاصة. أضف الى كل ذلك، أطماع رجال الأعمال في القرى المطلة على الوادي في استغلاله سياحياً وإقامة الفنادق والمقاهي... على أطرافه وفي داخله. بذلك تتحول إحدى أجمل النقاط الطبيعية في لبنان الى بؤرة مشاكل. ومنذ التصنيف سنة 1998، تجهد منظمة اليونسكو والجمعيات ووزارة الثقافة لضخ فكرة التنمية المستدامة في الوادي لإطلاقه سياحياً مع المحافظة على هويته وروحانيته، ولكن تبقى الجهود محدودة بغياب تخطيط واضح وصارم للبطريركية المارونية التي متى قبلت مبدأ السياحة المستدامة، فرضته على الوادي، وعملت به. لكنها، لا تزال تبحث عن الحل الوسطي الذي يؤمن للسكان الربح المادي ويقبل به التصنيف العالمي. وعلى أمل أن يكتشف الحل الوسطي، تبقى قوانين اليونسكو الصارمة هي الطريق الأضمن لديمومة هوية الوادي للأجيال المقبلة.