الجميع يدرك أن مياه اليمّونة ملوثة بالصرف الصحي وتسبّب الأمراض، لكن بعضهم يشربها مرغماً لغياب القدرة لديه على تأمين البديل. أما الحلول فما زالت وعوداً منذ سنوات، في ظل غياب وزارة الطاقة والمياه ومؤسستها البقاعية.
معاناة أهالي قرى غرب بعلبك من تلوّث مياه اليمونة بالصرف الصحي مضى عليها أكثر من 10 سنوات. اجتماعات طارئة ودراسات لا تنتهي، وكذلك الوعود بالمعالجة، لكن جميعها لم يرق إلى التنفيذ، في ظل غياب لافت لمؤسسة مياه البقاع.
مشكلة التلوث في مياه اليمونة هي نفسها منذ سنوات. تسرب من شبكة الصرف الصحي الجزئية داخل أحياء محددة في البلدة، إلى بركة اليمونة التي تعتبر مجمع المياه التي تستفيد منها حوالى 40 قرية. ما يزيد من نسبة التسرب والتلوث، بحسب رئيس بلدية اليمونة محمد شريف، هو «عدم تشغيل شركة «البنيان» المشغلة لمحطة تكرير الصرف الصحي في فترات انقطاع التيار الكهربائي، بقصد الافادة المالية».
آخر الاجتماعات الطارئة لمعالجة تلك المشاكل حصل أواخر العام الفائت بعد انتشار حالات مرض «الصفيري» في قرى غرب بعلبك. اتخذ القرار حينها بالشروع سريعاً في جرف مسافة 900 متر من شبكة الصرف الصحي لبلدة اليمونة وتمديد أخرى مكانها، مع تأمين المبلغ المالي المطلوب (60 ألف دولار) من صندوق اتحادي بلديات غرب بعلبك والشلال ــ بوداي، «وضرورة تقيد الشركة المشغلة بأصول التشغيل»، بحسب شريف. لكن ما الذي حصل حتى توقف التنفيذ حتى اليوم؟ «وحدها سياسة التطنيش بحق المنطقة وأهلها، وقتل الوقت وتمريره»، إجابة لا يرى شريف بديلاً منها، فهو يؤكد أن متابعته لملف تصليح شبكة الصرف الصحي ومعالجة التلوث أظهرت بوضوح «أن ثمة من لا يريد معالجة المشكلة. فقد فوجئنا بعد قرار الشروع بالتنفيذ، والذي تحدد باليوم والساعة، بذرائع واجتهادات شبه يومية، تارة بعدم كفاية المبلغ، وانتظار الطلب من الأمانة العامة لحزب الله الموافقة على تأمين مبلغ 200 مليون ليرة، وتارة أخرى بضرورة إجراء دراسات أخرى، حتى بات لكل رئيس بلدية أو اتحاد مهندسوه، ولتبقى الأمور على حالها من التلوث، وتشرب الناس مياهاً ملوثة أو لا تشرب أبداً. هذا آخر هم عندهم»، يقول.
علي زعيتر، رئيس بلدية حدث بعلبك والمفوّض بمتابعة ملف تلوث مياه اليمونة من قبل مديرية العمل البلدي في حزب الله واتحادي بلديات غرب بعلبك والشلال، قال لـ«الأخبار» إن هناك «استحالة» لمعالجة مشكلة تسرب الصرف الصحي في اليمونة إلى مياه الشرب، ذلك أن تصليح الشبكة الجزئية التي لا تغطي سوى ثلث البلدة، «لن يحل المشكلة»، خصوصاً أن ثلثي البلدة من منازل ومتنزهات ومطاعم تحتاج إلى شبكة صرف صحي، «وهو ما يفوق قدرة البلديات مالياً».
وأمام صعوبة المعالجة، عادت الأنظار مجدداً إلى محطة فلاوى لتكرير مياه الشفة التي تقع في جرد بلدة فلاوى منذ عام 2003 من دون تشغيل. منذ قرابة أسبوعين زار وفد من «اليونيسيف» اليمونة واطّلع على المشكلة، ليبدي رفضه المشاركة في المعالجة، بالنظر إلى «ضخامتها»، بحسب زعيتر، في حين أبدوا استعدادهم لتشغيل محطة فلاوى وتزويدها بالكلور، ولكن بعد إجراء دراسة عنها. يقول زعيتر «لا نعرف الفترة الزمنية التي تتطلبها الدراسة وصولاً الى مرحلة البدء بالتشغيل».
تجدر الإشارة إلى أن وعوداً وزارية وإدارية أطلقت خلال الفترات السابقة لمتابعة ملف محطة فلاوى من أجل دفع وزارتي الأشغال والطاقة لتسهيل وتذليل كافة العراقيل أمام تشغيلها، ومنها تعبيد الطريق إليها، وتأمين محطة تحويل كهربائية لها، إلا أن ذلك كله بقي ضمن خانة الوعود حتى اليوم.
مصدر في مؤسسة مياه البقاع رأى أن مشكلة مياه اليمونة التي تروي ما يفوق 35 بلدة لا بد لها من مشروع متكامل يبدأ بشبكة صرف صحي في اليمونة، «وتشغيل فعلي» لمحطة تكرير الصرف الصحي، وصولاً حتى تشغيل محطة فلاوى لتكرير مياه الشفة. ويكشف المصدر أن اليونيسيف تحدثت عن مبلغ 100 ألف دولار لتشغيل المحطة، في الوقت الذي «فقدت المحطة فيه أربعة «سكورة» هيدروليك، (مفاتيح ضخ) عيار 16 إنشاً، لخطوط استقبال المياه والضخ، وقيمتها أكثر من 40 ألف دولار. «فهل سيكفي المبلغ لتشغيلها؟»، يسأل.
بعض أبناء المنطقة يعتمد حالياً على شراء «غالونات» المياه للشرب بديلاً من اليمونة، أو حتى على بعض الينابيع المحلية، لكن البعض الآخر من فقراء المنطقة لا يجدون بديلاً من شرب تلك المياه التي يدركون جيداً أنها «ملوثة بس شو العمل؟!»، يسألون.