فتحت قصّة توقف الباخرة «فاطمة غول» عن إنتاج الكهرباء، بسبب استعمال فيول غير ملائم لمحركاتها، الباب أمام الكثير من التساؤلات التي يفترض الإجابة عنها في مناقصات أخرى خاصة بمعامل الإنتاج. أبرز هذه الاسئلة مطروح اليوم بالنسبة إلى مناقصات تركيب محركات عكسية في معملي الذوق والجية لإنتاج 275 ميغاوات. فأي نوع من الفيول يجب استعماله في هذه المحركات؟ أم أن مؤسسة كهرباء لبنان ستشهد أزمة فيول ثانية في الجية والذوق بعد أزمة الفيول مع الباخرة التركية «فاطمة غول»؟
في مطلع الشهر الجاري، أنجز التفتيش المركزي وديوان المحاسبة تقريرين عن توقف باخرة الكهرباء التركية عن توليد الطاقة بسبب نوعية الفيول المستعمل. التقرير الصادر عن التفتيش لم يكتف بعرض أسباب التوقف وتحديد المسؤوليات، بل تطرّق إلى كل بنود العقد الموقّع بين وزارة الطاقة نيابة عن مؤسسة كهرباء لبنان، وبين شركة كارادينيز التركية. أما ديوان المحاسبة فقد اكتفى بعرض أسباب التوقف موزّعاً شهادات براءة وإدانة على طرفي العقد، لكنه لم يتعمّق، كما كان متوقعاً، في هذه القضية وفي بنود العقد ومدى تأمينه لمصلحة لبنان أو للشركة
التركية.
وردت نقطة في تقرير التفتيش المركزي غير متصلة بعلاقة الشركة التركية مع لبنان، بل هي متعلقة بعقود تركيب المحوّلات اللازمة لإنتاج الكهرباء في لبنان. فقد أوصى التقرير بأن يؤخذ في الاعتبار وجود مناقصتين لتلزيم محرّكات عكسية في معملي الذوق والجية «مطابقة لتلك الموجودة على الباخرة التركية»، ما يستلزم من المعنيين المسؤولين الانتباه إلى أنه يجب اتخاذ إجراءات وقائية متصلة بمواصفات الفيول المخصص لتشغيلهما في بنود العقد. ويعتقد التقرير أنه يجب أن يُراعى الحل المعتمد بالنسبة إلى الباخرة التركية «فاطمة غول» في أعمال تشغيل تركيب المحوّلات العكسية في المعملين المذكورين، موصياً بأن يُبلّغ الملتزم بتركيب المحوّلات ضرورة تجهيزها بالفلاتر التي تعمل على تصفية الفيول وتنقيته من الشوائب.
وتؤكد مصادر مطلعة أن مناقصة تركيب هذه المحولات ودفاتر شروطها لم تُشِر إلى استعمال فيول بمواصفات مختلفة عن تلك التي كانت مذكورة في الملحق (ب) من العقد الموقّع مع شركة «كارادينيز» التركية، لكنّ مصادر مؤسسة كهرباء لبنان تؤكّد أن مواصفات الفيول لمعملي الذوق والجيّة أُخذت في الاعتبار بعد كل ما أثير حول مواصفات الفيول والضرر اللاحق بالمولّدات، «لكن الرأي استقرّ حتى هذه اللحظة على استعمال فيول مطابق لذاك الذي استورد أخيراً بعد أزمة الباخرة التركية، أي بمواصفات الـISO».
هذا الأمر ليس إلا أحد التداعيات التي كشفتها أزمة الباخرة التركية رغم كونه ليس أمراً مستعجلاً. فبحسب ما أعلنت وزارة الطاقة، إن مدّة التركيب والتسليم تصل إلى 15 شهراً، على أن يجري تركيب وتشغيل أول دفعة من ثلاثة محركات بعد 14 شهراً من انطلاق المشروع، أي في أيار 2014.
خشية المعنيين في هذا المجال هي أن يتحوّل تنفيذ عقود استيراد الفيول الخاص بهذه المحرّكات العكسية إلى ما يشبه تنفيذ العقود السابقة. فبحسب خبراء في هذا المجال، إن مواصفات الفيول تختلف بين درجة وأخرى إلى حدود التمييز بين 3 أنواع فيول؛ الفيول المستعمل حالياً في معامل الإنتاج، والفيول المستعمل من قبل الباخرة التركية، والفيول الخاص بالمحركات العكسية.
ما يميّز بين هذه الأنواع هو تلك الشوائب أو المواد التي تدخل في تركيب الفيول. أبرز هذه المواد هي السوديوم، الكبريت، الكالسيوم، الحديد، الزنغ... كلما زادت نسبة هذه المواد في الفيول، كان مضرّاً بيئياً واختلف سعرها وسرعة احتراقها. مواصفات الـISO تتضمن نسبة أقل من الشوائب، أما المواصفات الخاصة بالمحركات العكسية فهي أقل من الأخيرة أيضاً. لكن الفرق الفعلي بين هذه المواصفات هو أن سعر طن الفيول الخاص بالمحركات العكسية قد يصل إلى ضعف قيمة الفيول الذي يستعمل حالياً في المعامل.
هذا الوضع يفتح المجال أمام الأسئلة الآتية: إلى أي مدى سترتفع كلفة فاتورة الإنتاج الكهربائية بسبب استخدام هذا النوع من الفيول؟ هل يمكن إبعاد الفساد عن لعبة استيراد الفيول الذي كان يدخل على أساس أنه بمواصفات معيّنة لكن التحاليل تظهر مواصفات أخرى؟ هل نعود إلى لعبة تزوير مواصفات الفيول؟ على حساب من تقع كلفة مواصفات الفيول الجديدة؟ هل هناك هامش خطأ في نسب الشوائب ضمن شروط استيراد هذا الفيول تجعل اللبنانيين يدفعون الثمن؟