بينما لا تزال آلاف العائلات الفلسطينية مهجرة من مخيم نهر البارد، قررت وكالة تشغيل اللاجئين الأونروا وقف «برنامج الطوارئ» ما يلقي بتلك العائلات في الشارع، ويحرمها معونات طبية وغذائية، هي بأمس الحاجة إليها.
يوماً بعد آخر يبدو أن العودة إلى فلسطين أقرب من عودة أهالي مخيم البارد إلى بيوتهم التي دمرت في ربيع عام 2007. وُصف استمرار تهجير الفلسطينيين واقتلاعهم من أراضيهم بجريمة العصر، ومع ذلك فإن حيثيات هجرتهم الثانية من مخيم اللجوء في البارد تبدو أكثر بؤساً وأكثر مدعاة للشجب والاستنكار.
بالأمس نزل سكان المخيم عن بكرة أبيهم إلى الشارع. لم يعرف الأهالي معنى السهرات الرمضانية بعد نهار صوم طويل، كأنه «كتب علينا أن لا ننسى متاعب افتراش الأرض والبقاء في العراء»، يقول زياد شتيوي أحد المعتصمين احتجاجاً على بيان أصدرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، وتُعلم بموجبه سكان المخيم بقرب انتهاء «برنامج الطوارئ»، الذي كان يخصص مساعدات استثنائية لأبناء البارد، بانتظار الانتهاء من إعادة الإعمار وعودة المخيم إلى سابق عهده. هذا ما ابلغته آن ديسمور، مديرة مكتب الأونروا في لبنان، لعبد العال وباقي المسؤولين الفلسطينيين في لبنان، لأنه «ما من تعهدات جديدة من قبل المانحين بتقديم أي تمويل إضافي، ولأن العجز في ميزانية الإغاثة الحالية بلغ 8.2 ملايين دولار».
اولى النتائج، ان أكثر من ثلاثة أرباع سكان المخيم سيصبحون بلا مأوى، فالشقق التي جرى تسليمها إلى أصحابها بعد طول انتظار لا تمثل سوى 20% من منازل المخيم المدمرة، ويبلغ عدد العائلات التي تتلقى بدلات سكنية ثلاثة آلاف وسبع عائلات بحسب تقرير أعده مروان عبد العال المسؤول الفلسطيني المكلف متابعة إعادة إعمار المخيم.
اذاً، عائلات كثيرة ستصبح بلا مأوى في حلول الأول من أيلول المقبل، والتغطية الصحية 100% سيفقدونها، كما المعونة الغذائية، علماً بأن مبررات «برنامج الطوارئ» المذكور لا تزال قائمة، بل تفاقمت مع ازدياد النزوح الفلسطيني من سوريا، اذ لم يعد المخيم إلى وضعه السابق، بوصفه مركزاً تجارياً أساسياً بين عكار وطرابلس، وبالتالي لا فرص عمل ولا مقومات للعيش، الأمر الذي يوسع الاحتجاج إلى «آفاق لا أحد يعرف أين تصل» في رأي عضو اللجنة الشعبية في المخيم جمال أبو علي.
ثمانية ملايين دولار ديون الأونروا، مبلغ لا يُقرأ ولا يعتد به في سجلات المنظمات الدولية، ولا يحق للوكالة التي كفلت رعاية شؤون اللاجئين بعد موافقتها على تقسيم فلسطين التذرع به، وتحميل الفلسطينيين مسؤوليته (وهم ضحايا القرارات الدولية) يقول عماد عودة مسؤول الجبهة الشعبية في الشمال، كما لا يجوز، يضيف عودة، العزف على وتر افتعال أزمة فلسطينية بين لاجئ فلسطيني في لبنان، ولاجئ فلسطين نازح من سوريا إلى لبنان، تحت لافتة أن استمرار «برنامج الطوارئ» سيستدرج تعميمه على الفلسطينيين النازحين من سوريا، فتلك أيضاً مسؤولية المنظمة الدولية لا مسؤولية الفلسطينيين بأي حال من الأحوال.
يتقاطع ما بات يعرف بتقليص خدمات الأونروا مع توسع أنشطة الجهات المغيثة للنازحين السوريين، وأرقام الأموال المهدورة في صفقات فساد باتت على كل شفة ولسان، وكان آخرها وجبات الإفطار الفاسدة التي جرى توزيعها أخيراً على الصائمين من النازحين السوريين في عكار. ويشير عماد عودة إلى مقاطعة اللجنة الشعبية وفصائل المخيم إفطاراً على شرف أحد الشيوخ القطريين، وبخاصة أن قناة الجزيرة القطرية حضرت خصيصاً لتغطية الإفطار المذكور، فيما دولة قطر ضالعة في «تدمير سوريا»، والمخيم ينظر بعين الحذر إلى محاولة بعض مشايخ المخيم استجرار مساعدات قطرية لا يستبعد أن يكون غرضها إغواء المجتمع الفلسطيني بلعبة الانتماءات المذهبية والتحريض. قاطعت اللجنة الشعبية والفصائل دعوة إلى الإفطار موجهة إلى المخيم وإلى جواره اللبناني. يختم عودة، بأن المخيم متمسك بأمتن العلاقات مع جواره، لكن ليس تحت راية قطر.
نهار أمس أقفلت كل مكاتب الأونروا في مخيم البارد، وهي مكتب مدير خدمات البارد، مكتب الشؤون الاجتماعية، مكتب هيئة الإعمار، مكتب قسم الديزاين، والمكتب الرئيس (الكومباوند). واللافت كان تحذير فايسبوكي انتشر على صفحات ناشطين من المخيم «لا تختبروا صبرنا، فإن عدتم عدنا»، إضافة إلى عبارة «إحنا جاهزين إنتو جاهزين يا أونروا؟»، مصحوبة بصورة لكومة دواليب وحولها بضعة ناشطين رافعين شارات النصر.