ليس حادثاً فرديّاً

بعد هول الخبرية، وفاصل من الصدمة والذهول لحادثة بيصور، ماذا يقول المرء؟ أتحفنا السوريون بمشهد الوالد الحنون الذي يعلّم ابنه ذبح رجل أمامه بالساطور. وشاهدنا أكَلَة الأكباد بعد أن كانت هند بنت عتبة الوحيدة الشهيرة بهذا الفعل أيام الجاهلية، ثم رأينا سلخ الجلود وشيّ الناس أحياء، وبعدها «السحل الشعبي» في مصر، وقبلها بكثير في كترمايا..

ماذا يقول المرء؟ لا شيء.
يحضر المشهد الأخير من «بخصوص الكرامة والشعب العنيد». مشهد التوحّش حين أصبح مَن بقي حيّاً في لبنان أشبه بالإنسان الأول. ولكن؟ هل كان الإنسان الأول يفعل هذا الفعل؟ ربما كان يقتل عن خوف أو عن جوع، لكن أن يقوم بهذا الفعل الشنيع انتقاماً لشرف الطائفة؟ وما هو شرف الطائفة؟ هل استردّت الطائفة شرفها بقطعة اللحم تلك؟
كتبتُ بالأمس عن عنف النساء المستجدّ. ولكن هذا.. ماذا يسمى؟ حادثاً فردياً؟ هل هو فعلاً حادث فردي؟ وماذا عن البيئة الحاضنة؟
القاتل، شاب فاشل، حاول أن يكون لحّاماً لكنه فشل، ثم حاول العمل في البلدية فطُرد لسوء أخلاقه. لا زلنا بالفردي. كيف نفهم هذا الحادث؟ سألت أصدقاء من القرية المصابة في صورتها. سألته إن كان هناك بين صيحات الاستنكار.. كلام خفيض يفيد بالتأييد لما فعله المجرم وإخوته وخاله وابن عمه، فابتسم تلك الابتسامة الماكرة وقال: «بالطبع سيخرج بيان استنكاري للحادث. سيقولون «إنهم» صحيح ضد الزواج المختلط ، ولكنهم ضد الجريمة. «لكن، يقول مستدركاً، وبصوت خفيض، الكلام الذي يدور حقّاً هو التالي: فلنر خيراً في كل شرّ.. هذه الجريمة ستشكل رادعاً لمَن تسوّل له نفسه الزواج من درزية». أليس اسم هذا بيئة حاضنة؟
لكن تتمّة البيئة الحاضنة ليست فقط في بيصور.. على ما يبدو فإن قرية الشاب «تتفهّم» إلى حدّ ما دوافع الطائفة الأخرى، والدليل عدم الرغبة بالانتقام والإحساس بأنهم «معهم حق»!. ويقول زميل زار بلدة المغدور إن هناك جوّاً من النكات (تماماً كما في بيصور) في تناول الحادث، ما يعني أنه ليس هناك من تماهٍ مع المغدور طائفياً.. ويرجع الزميل ذلك، إضافة إلى اعتراف الطائفة التي ينتمي إليها الضحية بأحقيّة فكرة الصفاء الطائفي، إلى أسباب طبقية، حيث يبدو أن المغدور من عائلة هامشية في قريته.
بعد انتشار خبر الجريمة، انتشرت على صفحات الفايسبوك دعوات لإعدام القاتل ومَن شاركه فعله الشنيع.. الإعدام الذي ندعو لإلغائه كعقوبة. ولكن، وبغضّ النظر عن رأينا بعقوبة الإعدام ،هل سيلقى القاتل أيّ عقاب فعلي إن كانت الطائفة، لا بل الطائفتان، راضيتان ولو بالسر عن فعلة الشاب؟ قد يكون الإعدام هذه المرة مطلوباً من دولة الفلتان. لكن، إن لم تفعل، ماذا نفعل؟
لو كانت الجريمة ضد آخر مختلف، أي لو كان المغدور من عائلة «منشافة»، يقول الزميل فإن الموضوع ربما كان ليختلف. عندها، ستفلت الطوائف على بعضها لتطبيق قانون العين بالعين و... «الهيداك بالهيداك».. عندها لن يبقى لبنات الطائفة مَن يتزوجهنّ لتأمين تكاثر أبناء الملّة..
ولعمري، إنْ صدق كل ما تقدم؟ فإنه لن يكون أمراً سيئاً للغاية.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مsamar salmanجهول مsamar salmanجهول - 7/20/2013 8:21:55 PM

شي مرعب ورهيب ..مافي كلام قد الحدث الا بطريقتك العميقة الأليمة السخرية والمُرّة..

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

فيصل باشا/برلين فيصل باشا/برلين - 7/19/2013 12:58:04 PM

قانون يوك،قانون الغاب ايفت: ان غياب المحاسبة هو عامل يزيد من ارتفاع معدل الجريمة،والعامل الآخر هو التربوي، فعندما ينشأ المرء في بيئة حاضنة لكل مخلفات التخلف بدءاً من العنف في المدرسة: يقول الأب مخاطباً المعلم :اللحم الك والعظم إلنا،ثم يتبعه العنف المنزلي من تعنيف الخادمة إلى تعنيف الزوجة وصولاً حتى إلى قتلها،إلى تعنيف الأطفال،إلى مجتمع منقسم على نفسه يخلط ما بين العادات والتقاليد ومفاهيم الشرف لا يغسل الا بالدم،وويل للذي يحاول ان يكسر هذا التابو الطائفي ويخرج عن المألوف والقواعد التي وضعها الطائفيون متخطياً حدود الطائفة الى طائفة اخرى،فليس للحب أو للإنسان مكان في هذه المجتمعات،إذا كان السياسي الزعيم يفلت من العقاب،مهما بلغ حد اجرامه،فطبيعي جداً ان يتطاول المواطن العادي على حياة الأخريين،من حاسب شهود الزور،من حاسب من سرق قوت الشعب ،من أحرق السوريين في الخيم،من قام بمجزرة حلبا،من غطى القتلة للجيش اللبناني من البارد إلى عرسال إلى عبرا،من حاسب من قتل الأبرياء في معارك طرابلس،لا احد لا احد ،إذن لا بد من المحاسبة وصياغة قيم جديدة لكي يحترم الإنسان أخيه الإنسان،وتطبيق قانون الإعدام وليس قانون الزعيم يحميني. صدقت انها ليست حالة فردية انه سلوك جماعي لذا كان القصاص،فأن غاب فلا رادع،وليكن اذن لهيداك مقابل الهيداك ،والعين مقابل العين،وعشائي مقابل عشاءك.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/19/2013 9:28:06 AM

الهيداك بالهيداك حلوة منك يا ست شو ماكتبتي حلو تحياتي!

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/19/2013 9:26:19 AM

لن يكون أمراً سيئاً للغاية! أنا أوافق تحياتي!

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 7/22/2013 11:32:30 AM

بصراحة الجملة الختامية بأسرها للسيدة ضحى تترك أثراً كبيرا ورغبة في الضحك والبكاء معاً: "ولعمري، إنْ صدق كل ما تقدم؟ فإنه لن يكون أمراً سيئاً للغاية." جميل جداً

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم