أبواب قصر الصنوبر الواسعة أغلقت في وجه اللبنانيين والفرنسيين القادمين للاحتفال بعيد 14 تموز. ترك لهم منفذ صغير وقف أمامه ضابط فرنسي بلباس مدني وراح يدخلهم واحداً واحداً، يحدق في وجوههم، يفتشهم، ثم يغدق عليهم، ببطء، نعمة الدخول الى القصر الفسيح.
مشهد الانتظار ـــ الإذلال الذي دام لأكثر من ساعتين كان يقابله صراخ لا ينقطع من الجهة المقابلة: «فرنسا الثورة والباستيل، حكاية وما عاد إلها وجود، فرنسا اليوم عملت Deal، مع الظلم الما لو حدود، قضاء صار انتقام، عدالتها بالأوهام، جورج عبد الله مسجون، لا تبرير ولا قانون».
في المشهد الكثير ليروى. ضابط فرنسي في قوات اليونيفيل يضع على رأسه قبعة بريشة. «حملق» الشاب طويلاً في صورة رئيسه فرنسوا هولاند يمد له إصبعه الأوسط. يهز الضابط رأسه شاجباً «ثقل دم» من صمّم هذه الصورة وأهان رئيس فرنسا. لكن مهلاً، فالصورة نفسها رفعت في باريس، وصمّمتها منظمة «صحافيون بلا حدود» لرؤساء آخرين.
من الخامسة والنصف الى السابعة، لم يتوقف تدفق المدعوين الى حفل الاستقبال الذي دعا إليه السفير الفرنسي باتريس باولي. كان يمكن لهؤلاء أن يمروا سريعاً أمام عشرات المطالبين بحرية عبد الله، لكن الأمن الفرنسي ألزم المدعوين بساعة ونصف من الانتظار كانت أكثر من كافية ليحفظوا صورة جورج عبد الله التي تلوح فوق رايات حمراء رفعت في المكان. لكن الأكيد أن صورة هولاند كانت الأكثر رسوخاً في الأذهان، لأن كل من انتظر تحت الشمس الحارقة، كان يشعر بإصبع هولاند الأوسط يلوح له من بعيد.

في الاعتصام الذي دعت إليه الحملة الدولية لإطلاق سراح عبد الله لائحة من المتحدثين الذين عبروا عن تضامنهم مع الرهينة اللبناني. نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي طالب المسؤولين الفرنسيين بأن يحافظوا على «ما تبقى من سمعتكم بإطلاق سراح عبد الله، وإلا فإن سمعة فرنسا في وحول الظلم والظلام».
جوزف، شقيق جورج، أكد أن الدولة الفرنسية «اغتالت قيمها وباتت مجرد دولة ذليلة وعبارة عن محمية أميركية، من خلال اعتقالها لجورج عبد الله وتآمرها على شعوب المنطقة ودعمها المفضوح للإرهاب».
الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة أعلن أن بين دعوة الحكومة الفرنسية إلى التهئنة، والدعوة الى هذا الاعتصام «خيارنا واضح، ومشاركتنا قيم الثورة الفرنسية تكون بالاعتصام من أجل حرية جورج عبد الله». ورأى أمين سر الحركة الوطنية للتغيير الديموقراطي رياض صوما أن الشعب اللبناني «لن يتخلى عن عبد الله وسنستمر في تحركاتنا حتى إطلاقه». وأكد القيادي في الحزب الديموقراطي الشعبي محمد حشيشو أن عبد الله رهينة، وفرنسا تعرف جيداً كيف يخرج الرهائن من الأسر.
وفي الاعتصام أيضاً كلمات تضامنية لكل من عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي حسن، أحمد حلاني باسم حركة الشعب، وعضو المؤتمر القومي العربي هاني سليمان.

تجدر الإشارة الى أن المسار القضائي لقضية جورج عبد الله مجمّد منذ 4 نيسان الماضي عقب إصدار محكمة التمييز العليا قراراً غير قابل للطعن، قضت بموجبه بتعطيل أحكام الإفراج المشروط عن عبد الله. وتقدم الأسير اللبناني باعتراض ضد هذا القرار، ولكن لم يتم النظر به.
ومن المتوقع أن يصدر فريق عمل الأمم المتحدة المعني بالاعتقال التعسفي في الأمم المتحدة تقريره عن عبد الله في آب المقبل. لكن فرنسا قد تلجأ الى المماطلة من خلال طلب شهر إضافي للرد على الشكوى التي تقدم بها مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب. ويعدّ تقديم شكوى ضد فرنسا أمام هذه الآلية الإجرائية في الأمم المتحدة سابقة.