التشاؤم هو أسهل ما يكون في لبنان حالياً. جسم البلد لبّيس، نظراً إلى التحديات التي تحيط به. على المستويين السياسي والأمني حدّث ولا حرج. أما في الاقتصاد، فقد تختلف التوقعات على نحو حاد. الأكيد أنّ أبرز المتشائمين في هذا المجال حتّى اليوم هو مصرف HSBC.
ففي تقريره الأخير عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يقول المصرف العملاق إنّ النموّ في لبنان سيكون صفراً في عام 2013، بعدما كان المعدّل 1.4% و1.7% خلال العامين الماضيين على التوالي. هكذا يكون لبنان البلد الوحيد الذي يعيش الركود هذا العام بين 15 اقتصاداً في المنطقة.
يشرح المصرف البريطاني أنّ التطوّرات السياسية كان لها أثر سلبي على الأداء الاقتصادي والشعور السائد في السوق. يُشير إلى أثر الأزمة السورية الذي يُترجم في لبنان على المستويين السياسي والاقتصادي، وتحديداً في قطاعي التجارة والسياحة.
من هنا يتوقّع المصرف أن يكون موسم الصيف في لبنان ضعيفاً، نظراً إلى الأوضاع الأمنية السائدة واستمرار شبه الحظر الذي تفرضه بلدان مجلس التعاون الخليجي على سفر رعاياها إلى لبنان.
وتأتي توقعات HSBC مخالفة إلى حدّ بعيد لتقديرات صندوق النقد الدولي. ففي تقريره الخاص عن لبنان، الذي أعدّ في نيسان الماضي، يتوقع الصندوق نموّ الاقتصاد اللبناني بنسبة 2% هذا العام ارتفاعاً من 1.5% في عام 2012. واللافت أنّ النموّ سيرتفع إلى 4% في عام 2014. ويعوّل الصندوق في هذه التقديرات على هدوء الأوضاع في سوريا بحلول العام المقبل على الأرجح، بعد حرب ضارية مستمرّة منذ أكثر من عامين حتّى اليوم وأودت بحياة ما يفوق 100 ألف شخص، ولها تأثير حاد على لبنان اقتصادياً واجتماعياً، وخصوصاً أنّ من المتوقع ارتفاع أعداد اللاجئين السوريين إلى 1.1 مليون بنهاية العام الجاري.
بغضّ النظر عن تفاوت التقديرات، يُمكن القول إنّ لبنان يصمد حتّى الآن على نحو مقبول إجمالاً، مدعوماً بالأموال التي تُغذّي جهازه المصرفي واحتياطاته الأجنبية التي تتخطّى اليوم عتبة 37 مليار دولار، ومن المتوقّع أن تنهي عام 2013 لتُغطّي 15.7 أشهر من الواردات (أهمية الاحتياطات هي ضمانتها لقدرة البلاد على تمويل استيرادها بالعملات الأجنبية).
وسجّلت الودائع خلال الأشهر الماضية معدّلات نمو عالية، «غير أنّ ذلك كان نتيجة نزوح الأموال من قبرص إلى لبنان»، بعد تخفيف القيود على الرساميل في هذا البلد الأوروبي المتعثّر مالياً، وفقاً لكبير الاقتصاديين في بنك «بيبلوس» نسيب غبريل.
في آذار الماضي مثلاً، دخل البلاد 1.8 مليار دولار، وفي أيار دخل 1.95 مليار دولار. «هي مبالغ كبيرة قياساً بالأشهر الباقية، حيث راوحت بين 500 مليون دولار ومليار دولار». يتابع الخبير الاقتصادي. «زيادة الودائع عامل مهمّ في صمود البلاد حالياً، ولكن الاقتصاد عموماً هو في ركود هذا العام».
وألقت التطورات السلبية التي شهدتها البلاد خلال الآونة الأخيرة – من المواجهات والصواريخ على الحدود اللبنانية السورية، مواجهة الجيش مع مجموعة أحمد الأسير في منطقة عبرا، وصولاً إلى تفجير بئر العبد – بثقلها على ثقة المستهلكين والمستثمرين على حدّ سواء.
«على الرغم من أنّ تدفّق الودائع إلى لبنان لا يعكس مستوى المخاطر المرتفع الذي يظهر في المؤشرات المختلفة، إلا أنّ الركود مستمر حتّى يحدث خرق على المستوى السياسي»، يتابع نسيب غبريل.
اليوم تحافظ الودائع على نموّها. وإجمالاً تحتاج البلاد إلى تسجيل نموّ على هذا الصعيد بنسبة تفوق 6.5% لتأمين الحاجات الائتمانية للقطاعين العام والخاص. لكن تلك الحاجة مرتبطة بمعدّل العجز الذي ستسجّله المالية العامة، وبالتالي حاجة الدولة إلى الاقتراض.
ووفقاً لحسابات الاقتصاديين في بنك «عوده»، فإنّ التدفقات المالية إلى لبنان خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري فاقت 7 مليارات دولار، ما يُعدّ مستوى قياساً لهذه الفترة منذ عام 2003.
وتشمل هذه التدفّقات إنفاق السياح عبر حوالاتهم المصرفية، الاستثمارات الأجنبية المباشرة إضافة إلى ودائع غير المقيمين. وعن هذه الودائع يقول الخبراء إنها تبقى المحرك الأساسي لتدفق الأموال إلى لبنان، فمنذ بداية عام 2013 وحتّى أيار الماضي زادت بواقع 2.34 مليار دولار.
لكن، لندع الودائع جانباً. ماذا عن المالية العامّة التي ترتبط بها إجمالاً المؤشرات الأخرى، وخصوصاً مع عودة معدّل الدين العام إلى الناتج لتخطّي 140%؟
يُشير HSBC إلى ارتفاع معدّلات الفائدة المفروضة على التأمين على الدين اللبناني، ما يعني أنّ اقتراض الحكومة يُصبح أكثر كلفة. في المقابل، يتدهور هامش العائد على سندات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية بعدما حافظت السندات على استقرار معين في المرحلة الأولى من الصراع السوري.
ويُحذّر المصرف من ارتفاع كلفة خدمة الدين العام اللبناني على الخزينة العامّة نتيجة ارتفاع محتمل في أسعار الفوائد على الدولار الأميركي عالمياً بحكم القرارات التي يتخذها المصرف المركزي الأميركي.