يصرّ رئيس بلدية بيروت بلال حمد على الإيحاء بأن مشروع إنشاء مرأب للسيارات في حديقة اليسوعية يلقى دعم أبناء منطقة عموماً وسكان الحي خصوصاً. استخدم حمد هذه الحجة في معرض تبريره للتناقض الواضح بين خيار البلدية في حديقة اليسوعية، وبين خيار الحفاظ على حديقة الصنائع وتأهيلها بعد أن كانت قبل ثلاثة أعوام خاضعة للتهديد نفسه، الناتج من «العقل الباطوني» لمجلس بلدية بيروت. يقول حمد إن ما أدى الى تراجع البلدية عن قرارها بإقامة موقف للسيارات في الصنائع هو معارضة الأهالي، بينما في مشروع حديقة اليسوعية الوضع مختلف!
لم يسمع بلال حمد قرع الطبول ونفير الأبواق في ذلك اليوم الاعتراضي الجميل الذي اجتمع فيه سكان الحي مع نشطاء البيئة والحفاظ على التراث للقول بصوت واحد ومرتفع «لا لتدمير حديقة اليسوعية». كذلك فإنه لم يكلف نفسه عناء زيارة الحي ليرى بأم عينيه الشعارات المناهضة لإنشاء موقف للسيارات المزروعة على الشرفات مع عبارة «موقف عام لحماية حديقة اليسوعية».
صباح اليوم يتسلم حمد رسالة موقّعة باسم «الائتلاف المدني للحفاظ على حديقة اليسوعية» وأهالي وسكان الحي المحيط بالحديقة، تطالبه بأن يلغي وبشكل نهائي مشروع إنشاء مرأب عام للسيارات في العقار 2200 الرميل الذي وهبه الآباء اليسوعيون الى البلدية لكي يكون حديقة عامة.
ويطالب الكتاب مجلس بلدية بيروت بـ«أن يُطبّق في مقاربته مشكلة المواقف العمومية في بيروت مبدأ «الشمولية المناطقية» المرتبط مباشرة بمبدأ «التنقل السلس»، إضافة الى مبدأ «لامركزية المواقف العمومية»، وأن يقوم بدراسة عامة تفصيلية لكامل المنطقة الممتدة من مستشفى الروم الى نزلة الجعيتاوي، ومن شارع الرميل الى جادة شارل مالك، خصوصاً أن جميع أحياء هذه المنطقة متداخلة بعضها بالبعض الآخر، وذلك بدلاً من ارتجال مشاريع منفردة «بالمفرق» كهذا المرأب بالذات الذي سيقضي على ما تبقى من أماكن يتمتع فيها الإنسان بالحد الأدنى من الشروط النوعية للحياة في المدينة.
وختم كتاب الائتلاف المدني «ليكن معلوماً أننا، وبجميع الوسائل المتاحة، لن ندع أن يمرّ مشروع المرأب هذا، لكنّنا مُنفتحون لبحث جميع الاقتراحات التي تصبّ حصراً في خانة تحسين الحديقة».
وفي ظل غياب فاضح لاستراتيجية شاملة لمشاكل النقل، تكتفي بلدية بيروت بالعودة الى مشاريع صممت منذ عقود، من دون إعادة تقييم جدواها في الزمن الحالي، أو الى ارتجال مشاريع محددة على ما تبقى من أماكن يتمتع فيها الإنسان بالحد الأدنى من الشروط النوعية للحياة في المدينة.
وعوضاً عن تقديم بدائل لوسائل النقل الفردية في بيروت، تقوم البلدية بتوسيع شبكة الطرق اعتباطياً، وبالبحث عن أماكن جديدة لتحويلها الى مواقف عامة للسيارات، غالباً ما تكون على حساب ما تبقى من مساحات خضراء في المدينة.
وكان الائتلاف المدني للحفاظ على حديقة اليسوعية قد عقد اجتماعاً، أول من أمس، في مقر جمعية الخط الاخضر، وتداول في خطة التحركات المنوي القيام بها للوقوف في وجه مشروع البلدية.
ويؤكد عضو جمعية الخط الأخضر فضل فقيه أن الخطوة الأبرز الآن هي مواجهة الحجج والأباطيل التي بدأت البلدية بتسويقها، عبر الإيحاء أن مشروع بناء مواقف السيارات سوف يحافظ على الحديقة، وهذه مقاربة تفتقد الحد الأدنى من الرصانة العلمية. ويشير فقيه الى أن البلدية أهدرت المال العام من خلال تكليفها لإحدى الشركات بالقيام بدراسة حول مشروع المرأب والطلب منها عرضه على السكان في منتصف تموز الجاري. وأسف فقيه لكون هذه الأموال أنفقت على هذه الدراسة ــ المهزلة التي تجتهد لإقناعنا بأنه يمكن استرجاع حديقة بعد إزالتها! لافتاً الى أن هذه الأموال كان الأجدر أن تنفق على إعادة تأهيل وتحسين الطرق الدائريّة والأرصفة والسور الخارجي حول هذه الحديقة، مع صيانتها بشكل أفضل وترميم الفسيفساء البيزنطية وحمايتها، وإعادة تأهيل المراحيض وتجهيزها.
عضو التجمع للحفاظ على التراث اللبناني، رجا نجيم، رأى أن البلدية إما أنها تعرف حجم الاعتراض على المشروع وتصمت، أو أنها بالفعل ليست مطلعة على ما يجري، وسوف يصدم أعضاء المجلس البلدي عندما يقرأون أسماء الموقّعين على عريضة تطالب بعدم المس بحديقة اليسوعية، وما يمثّلونه من ثقل انتخابي ومن تنوّع سياسي وشعبي.
وسأل نجيم بأي حق تنفق البلدية أموالاً لدراسات تتعلق بالمشروع قبل أن تنفذ دراسة تقييم للأثر البيئي لموقف السيارات قبل الشروع في الترويج له؟
وينص المرسوم 8633 الصادر في آب 2012 على إلزامية إجراء دراسة أثر بيئي لجميع المشاريع المنوي إقامتها من قبل القطاعين العام والخاص. ولقد ذكّر وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناظم الخوري عبر عدة تعاميم بضرورة التقيّد بهذا المرسوم. كذلك صدر تعميم بهذا الخصوص عن الرئيس نجيب ميقاتي. وحول هذا الموضوع، يلفت نجيم الى أن إصرار البلدية على عدم القيام بدراسة الأثر البيئي سوف يعرضها للمساءلة القضائية وللعقوبات المنصوص عليها في قانون حماية البيئة 444/2002.
ويشير نجيم الى أن الائتلاف المدني طالب وزير البيئة ناظم الخوري بضرورة التذكير بهذا المرسوم مرة جديدة، فبادر الوزير الخوري، الثلاثاء الماضي، الى إرسال كتاب حمل الرقم 2651/ب الى رئيس بلدية بيروت، ذكّره فيه بوجوب إخضاع مشروع إنشاء مرأب عام في حديقة اليسوعية الى أحكام مرسوم أصول تقييم الأثر البيئي، بما فيه دراسة البدائل ومشاركة عامة.