فظائع عدّة تتكرّر، لا يخرج منها عبر وسائل الإعلام إلّا ما ندر. منها حادثة إدخال الطفلة الرضيعة كسندرا، ابنة الثمانية أشهر، إلى مستشفى عين وزين في حالة غيبوبة، وقد أظهر الكشف الطبي تعرّضها للضرب والاعتداء الجسدي المتكرر. هكذا فُتح تحقيق في القضية، فأثبت القضاء تورّط والدة الطفلة وزوجها. حُكم على الأولى بالسجن لمدة سنة وستة أشهر بجرم إهمال طفلتها وتركها دونما عناية، بل وضربها أحياناً كثيرة، وأُفرج عنها بعد 10 أشهر من توقيفها! فيما جُرّم الثاني بعدما ثبت أنّه كان يضرب الرضيعة بوحشية كي تتوقف عن البُكاء ليتسنّى له النوم، وحُكم عليه وجاهياً بالسجن سنتين وستة أشهر مع تغريمه مالياً. وقد منع القاضي رولان شرتوني بصفته قاضياً للأحداث ذوي الطفلة من رؤيتها وحضانتها، طالباً وضعها في إحدى الجمعيات الإنسانية للاهتمام بها.
حصلت الاعتداءات على الرضيعة منذ نحو سنة، وتحديداً في ٢٩ أيار من عام ٢٠١٢. يومذاك، ضجّت وسائل الإعلام بما عُرف بـ«فاجعة إيذاء طفلة من قبل ذويها وتركها لتموت». هكذا، سارعت الأجهزة الأمنية والقضائية إلى فتح تحقيق في الملف. أوقفت والدة الطفلة عبير ع. وزوجها بركات ا. (سوري الجنسية) لاستجوابهما. في موازاة ذلك، عُرضت الطفلة على الطبيب الشرعي الذي وضع تقريره شاملاً. تحدّث يومها عن «رضّة قوية على الرأس سببت غيبوبة سطحية»، مشيراً إلى وجود «نزف في الدماغ يعود تاريخه إلى عدة أسابيع»، ما يعني أنّ هناك ضرباً متكرراً كانت تتعرض له الطفلة. ليس هذا فحسب؛ إذ عاين الطبيب الشرعي «جلوفاً في مختلف أنحاء الرأس ورضّة على عينها». إضافة إلى «بقع زرقاء على ركبتي الطفلة ورفشها». وقد أشار الطبيب الشرعي في تقريره المقدّم إلى القضاء إلى أن معظم هذه الإصابات ناتجة من عنف تعرّضت له الرضيعة.
في التحقيق، ادّعت والدة الطفلة المدّعى عليها عبير ع. أن طفلتها وقعت على الطريق، زاعمة أن سبب وجود كدمات على وجه الطفلة عائد إلى سقوطها عن الكنبة. وأنكرت أن تكون قد ضربتها يوماً، لافتة إلى أنّها في أحد الأيام عادت إلى المنزل لتجد طفلتها مصابة بازرقاق حول عينها، فاستوضحت الأمر من زوجها الذي أخبرها أنّها سقطت عن الكنبة. لم تُصرّ الوالدة على إفادتها هذه. لدى معاودة المحققين الاستماع إليها، أتت على ذكر خلاف حصل بينها وبين زوجها بركات ا. على خلفية طلبها منه إحضار نرجيلة، فطردها من المنزل. وذكرت أنّه لدى مغادرتها وقعت والطفلة على الأرض، ما أدى إلى إيذائها، فبدأت بالبكاء، ما اضطرّها إلى إعادتها لتركها برفقة زوجها، علماً بأنّه ليس والد الطفلة. تُكمل عبير سرد روايتها، فتُخبر أن زوجها اتّصل بها في اليوم التالي ليُعلمها بأن صحة كسندرا متدهورة ويلزمها دخول مستشفى. تذكر أنّها عادت إلى المنزل حينها، لكنّها وجدت الباب مقفلاً والطفلة في الداخل. فانتظرت حتى عودة زوجها، ولدى دخولهما وجدت «الدموع تملأ عيني كسندرا»، فبقيت معها في المنزل يومين. وقد أدى ذلك إلى تفاقم حالتها أكثر. ولمّا طلبت المال من زوجها لإدخالها إلى المستشفى، رفض إعطائها، قائلاً إنه لا يملك المال. تذكر الوالدة أنها اتصلت بصديقه الذي حضر لنقلهما إلى المستشفى، قبل أن تضيف أن «كسندرا كانت تدفع ثمن مشاكلي مع زوجي الذي كان يضرب الطفلة باستمرار».
في الإطار نفسه، استُجوب زوجها بركات، فاعاد تكرار رواية الخلاف الذي اندلع على خلفية عدم جلبه النرجيلة، مضيفاً أن زوجته غادرت قبل أن يعود رجل يُدعى فوزي مجهول باقي الهوية حاملاً إليه الطفلة كسندرا، وأخبره أنّه وجدها أمام باب منزله. ونفى بركات أن يكون قد ضرب الطفلة يوماً، زاعماً أن والدتها كانت تضربها وترميها أرضاً. ولدى استجواب الموقوف مجدداً لدى مفرزة بعبدا القضائية، اعترف باعتدائه على الطفلة بالضرب. ذكر أنه لم يستطع النوم في الليلة التي تُركت الطفلة في المنزل، كاشفاً أنه حينما لم تردّ والدتها على اتصالاته، توتّر جداً وضرب الطفلة على رأسها ووجهها. ومن ثمّ ضربها على رأسها برضّاعة الحليب، فبدأت بالبكاء والصراخ. وأفاد بأنه في اليوم التالي حاول إطعامها الحليب، لكنّها لم تأكل وكانت حرارتها مرتفعة، فتركها في المنزل وغادر إلى عمله دونما اعتبار لما قد يُصيبها. وبحسب إفادة الزوج، تلقى إثر ذلك اتصالاً من زوجته تُعلمه فيه أن الطفلة تتقيّأ كل ما تأكله، فأبلغ ربّ عمله س.هـ. الذي تطوّع لأخذ الطفلة إلى المستشفى. يعترف بركات بأنه ضرب الطفلة عدة مرات، كاشفاً أن والدتها كانت تضربها أيضاً. اللافت أن والدة الرضيعة اعترفت بأن علاقة جنسية كانت تجمعها بالمدعو فوزي (تجهل كامل هويته)، الذي يقطن بالقرب من منزلها، مشيرة إلى أنّها ذهبت إليه بعد شجارها مع زوجها. ولكي يخلو لهما الجو لممارسة الجنس، طلبت منه إعادة الرضيعة إلى منزلها ففعل. واعترفت الوالدة بأنها كانت تضرب الطفلة على رجليها من وقت لآخر بسبب بكائها، مشيرة إلى أنها كانت تترك المنزل لممارسة الجنس مع فوزي، تاركة الطفلة مع زوجها، وعند عودتها كانت تجد كدمات على جسمها.
بناءً على ما سبق، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بعبدا رولان الشرتوني حكمه في قضية الطفلة الرضيعة كسندرا، فأدان زوج والدتها بركات ح. وحكم بسجنه وجاهياً سنتين وستة أشهر مع تغريمه مالياً بجرم ضرب وإيذاء الرضيعة، ما أدى إلى إدخالها في غيبوبة. كذلك حكم بسجن والدة الطفلة عبير ع. غيابياً لمدة سنة وستة أشهر بجرم الإهمال. تجدر الإشارة إلى أن الطفلة كسندرا أفضل حالاً اليوم في الجمعية، لكنها لا تزال تُعاني بعض المشاكل الصحية. أمّا والدتها فتوارت عن الأنظار بعد إخلاء سبيلها إثر مرور عشرة أشهر على توقيفها.