أواخر الشهر الجاري، ينتهي عقد شركة «ترايكوم» مع مؤسسة كهرباء لبنان. بقي 21 يوماً فقط. فترة قصيرة وقياسية تتطلب قراراً واضحاً: إما التمديد أو استكمال المناقصة الجديدة لتلزيم متعهد جديد لتأمين العمالة التي تحتاج إليها المؤسسة. لكن، على ما يبدو، الأمور في مؤسسة كهرباء لبنان تتجه نحو الخيار الأسهل والأوفر حظاً، خصوصاً في ظل الإجراءات الروتينية الطويلة التي قد تستغرقها المناقصة ورسوّها على متعهد جديد. ولهذا السبب رسمت مؤسسة كهرباء لبنان المعادلة الآتية: «التفاوض مع الشركة لتمديد عقدها الحالي إلى حين توقيع عقد جديد، وذلك بما يحفظ حقوق العمال بفعل انقضاء أكثر من عام على وجودهم مع الشركة نفسها، وذلك استناداً إلى قرار صادر عن مجلس الإدارة بتاريخ 12/6/2013».
إلا أن هذه المعادلة يعترضها 470 عاملاً وعاملة، اصطُلح على تسميتهم «مياومين». فهؤلاء يشترطون إلزام «ترايكوم» بتسديد كل مستحقاتهم بموجب العقد الحالي قبل تمديده، وتضمين العقد الجديد مع أي متعهّد كان بنوداً واضحة تلزمه بتطبيق قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي. وتهدد لجنة العمال بتصعيد تحرّكاتها عشية انتهاء مدّة العقد الأصلية في حال لم تتحقق مطالب المياومين، ولا سيما تسديد الأجور في مواعيدها، ودفع المنح التعليمية، والإجازة السنوية، وتطبيق معايير السلامة المهنية... وسوى ذلك من مطالب مزمنة ترفض الشركة الملتزمة تحقيقها لأسباب وحجج مختلفة.
تقول إدارة مؤسسة كهرباء لبنان إنها تعمل على معالجة هذه المطالب. وبحسب إدارة المؤسسة، فإن «العقد الحالي مع الشركة يلحظ العديد من الحقوق التي كان المياومون محرومين منها في العقود السابقة». ترى الإدارة أن ذلك يمثّل تقدّماً في تحسين أوضاع المياومين، ولا سيما لجهة «الإجازات المرضية المدفوعة، والتصريح لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبدل النقل، إضافة الى رفع الأجر اليومي، مع الأخذ في الاعتبار الشهادات العلمية... لكنّ المياومين يجدون هذا التقدّم غير كاف، ولا سيما أن حقوقهم الاساسية الثابتة لا تزال منتهكة، ويرفضون التعامل معهم كما لو أنهم بدأوا للتو بالعمل داخل مؤسسة الكهرباء، إذ إن أكثرهم يعمل مياوماً منذ سنوات طويلة، حُرم في خلالها من التقديمات الصحّية وتعويضات نهاية الخدمة وبدلات النقل والمنح التعليمية والإجازات السنوية والعطل الرسمية والإجازات المرضية المدفوعة الأجر.
لا ترى المديرة التنفيذية في «ترايكوم» لينا متى أن شركتها معنية بكل السنوات التي خدم فيها هؤلاء في مؤسسة كهرباء لبنان، وتقول إن «ترايكوم» تطبّق القوانين، وقد صرّحت عن العمال لدى صندوق الضمان الاجتماعي. إلا أن العمّال يردّون بأن حقوقاً مضمونة في قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي لا تعترف بها الشركة، إذ تتضمن عقودهم بنوداً مجحفة، كمنع المرض يوم السبت مثلاً، أو الامتناع عن دفع المنح المدرسية بحجّة «أنها لا تستحق قبل مرور سنة على بداية سريان عقد العمل»، بحسب متى التي ترى أن مسؤولية شركتها تبدأ من تاريخ التزامها بعقد المتعهد الذي يبلغ سنته الاولى في نهاية هذا الشهر.
تقدّم العمّال بشكوى الى وزارة العمل، وصدر تقرير المفتشين وتبلغته الشركة قبل أسبوعين. وهو يتضمن فروضاً على الشركة منها «إعداد نظام داخلي، والتصديق عليه من الوزارة، يحتسب 8 أيام عطلاً رسمية في الحد الأدنى وتكون جميعها مدفوعة الأجر، وإعداد جداول خاصة بالأجور وتفادي التأخير في دفعها للعمال، وتسديد جميع مستحقات العمال عن الإجازات المرضية، وتكليف فريق تفتيش للكشف على السلامة والوقاية في معامل الكهرباء التابعة للمؤسسة، والاطلاع على جداول الغرامات وكيفية إنفاق المحسومات في الشركة، وعدم تجاوز ساعات العمل الأسبوعية الـ48 المتفق عليها في العقد».
7 إجراءات يعتبرها المياومين حقوقاً بديهية، مع ذلك لم تستجب الشركة إلا لتسديد بدلات الإجازة المرضية. وأمام هذا الواقع، وعلى عتبة التمديد، اشترط العمال تسديد كل المستحقات قبل أي إجراء مع الشركة وتضمينها النظام الداخلي للعقد المقبل. وأعادت لجنة العمال طرح هذه المطالب في اجتماع مع وزير العمل وإدارة المؤسسة و«ترايكوم» في أواخر الأسبوع الماضي. وقد أبدت «ترايكوم» موافقتها المشروطة على هذه المطالب على أن تقوم المؤسسة «بتغطية مستحقات المياومين». وهذا الشرط يضمن التمديد وإلا «فالانسحاب». وبحسب متى، «فقد أرسل المدير العام لترايكوم شربل متى كتاباً إلى مؤسسة الكهرباء في هذا الشأن، ولكن إلى الآن لم يأتنا الجواب، علماً بأنه بفترض أن يأتي قبل الخامس والعشرين من الجاري، وهو موعد إعلام الضمان الاجتماعي بتسريح الموظفين».
بعيداً عمّا قد تؤول إليه الأمور، المياومين لم يقبضوا رواتبهم عن الشهر الماضي حتى هذه الآن، وهم ما زالوا يعملون 9 ساعات يومياً بلا راحة، ويحاسبون على كل دقيقة! وهو ما يستند إليه هؤلاء في التقليل من أهمية أي تقدّم في تنفيذ العقد القائم والقلق من أن يستمر الوضع على ما هو عليه بموجب أي عقد جديد، ولا سيما أن متى تردد أن «ترايكوم صفّت كل شيء مع العمال لهذا العام»، وهو ما يرفضه «المياومون» المصرّون على تحصيل كل مستحقاتهم قبل التمديد.
وتشير إدارة مؤسسة الكهرباء الى أنها أطلقت مناقصة جديدة، وتعد بأن العقد الجديد سيراعي كل المطالب، ولكنها تُبقي النزاع قائماً مع المياومين بقولها إن ذلك سيخضع لأحكام قانون العمل الذي «يمنح الإجازة السنوية (15 يوماً) والمنح التعليمية بعد انقضاء سنة على عملهم وتسجيلهم لدى صندوق الضمان». أمّا دوام العمل فسيكون كدوام عمل مستخدمي الملاك في المؤسسة، بحسب ما صرّحت به الادارة.
يعترض المياومون على ذلك، ويصرّون على احتساب سنوات عملهم الطويلة ليستفيدوا مباشرة من الحقوق القانونية لهم، ويبدون تخوّفاً من فرضية تغيير المتعهد كل عام، هرباً من الأكلاف المتراكمة التي قدّرها تقرير التفتيش بحوالى مليار ليرة.
هذا المليار قد يكون من الاسباب التي جعلت الشركات تستنكف عن المشاركة في المناقصة والحصول على دفتر الشروط، وقد يكون سبباً لرفض «ترايكوم» التمديد ما لم تلتزم المؤسسة بتسديده. وبحسب المعلومات، فإن المناقصة التي أطلقتها المؤسسة لم تسترع اهتمام سوى عدد قليل من الشركات لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.