لم يسبق أن غابت الأجواء المميزة التي تسبق عادة قدوم شهر رمضان في مدينة طرابلس، كما يحصل هذه السنة. فالأوضاع الأمنية المتوترة أرخت بظلالها على مختلف نواحي الحياة في المدينة، إلى حدّ أن مظاهر الزينة لا تكاد تظهر في مدينة اشتهرت من بين بقية المدن اللبنانية بأن شهر رمضان عندما يهلّ عليها يقلبها رأساً على عقب.
المدينة التي لم تكن تنام في رمضان حتى انبلاج الفجر، يبدو أنها بصدد تعديل الكثير من عاداتها. أغلب الأسواق ستتجنب فتح أبوابها ليلاً، بسبب المشاكل الأمنية، وكذلك المقاهي والمطاعم، إلا بعضها الموجودة حصراً في أحياء المدينة الحديثة. الأمسيات الرمضانية التي اشتهرت بها طرابلس طوال العقود الماضية لن تحضر هذه السنة إلا بخجل، وهو أمر يردّه المدير العام لمؤسسة الصفدي رياض علم الدين إلى «الأوضاع الأمنية غير المستقرة» التي جعلت المؤسسة تصرف النظر عن استضافة فرق فنية من خارج لبنان لإقامة أمسيات رمضانية، أو تنظيم المهرجان الرمضاني أو المعرض الحرفي كالمعتاد، والاكتفاء بأمسيتين فقط ستقامان في 19 و25 تموز الجاري على مسرح مركز الصفدي لكل من فرقة التراث الموسيقي العربي وكورال الفيحاء.
في المقابل، أُلغيت هذا العام مهرجانات «ليالي رمضان» التي كان ينظمها القطاع الديني في تيار العزم في معرض رشيد كرامي الدولي، للسبب نفسه، ما يجعل طرابلس للمرة الأولى منذ عقود خالية من أي نشاط رمضاني جماهيري.
لكن مسؤولة قطاع المرأة في التيار، جنان مبيض، أوضحت لـ«الأخبار» أنه «فضلاً عن ذلك، لم يطرأ أي تغيير على ما نقوم به سنوياً في شهر رمضان، من تنظيم موائد العزم إلى سهرات رمضانية تمتد حتى السحور، فضلاً عن معرض على شكل سوق رمضاني في بيت الفن في الميناء».
يضاف إلى ذلك، بحسب مبيض، أن «كسوة العيد ستكون هذه السنة، بناءً على توجيهات الرئيس نجيب ميقاتي، على شكل «بونات» ستُعطى لمستحقيها الذين يقدرون بنحو 20 ألف شخص، لكي يشتروا بها ما يحتاجونه من محال معينة في طرابلس، لتنشيط حركة تجار الألبسة في المدينة الذين تضرروا وتوقفت أشغالهم نتيجة الأوضاع الأمنية المتدهورة في الأشهر الأخيرة».
أما بلدية طرابلس التي لم تغب منذ تأسيسها نهاية القرن التاسع العشر عن الاحتفاء بقدوم شهر رمضان في أي سنة، فتبدو اليوم في غيبوبة تامة، وكل ما قامت به هو إخراج الزينة القديمة من مستودعادتها وتزيين بعض الشوارع والساحات ببعض شرائط الزينة والفوانيس. وحده «بيت الآداب» الذي يضم ناشطين من المجتمع المدني، نفذ مسيرة رمضانية انطلاقاً من أمام بلدية طرابلس، بمشاركة بعض الجمعيات والهيئات، لإبقاء الأجواء الرمضانية موجودة في المدينة ولو بحدّها الأدنى.