قدم البرنامج الوطني للحد من التدخين استراتيجيته لإنفاذ القانون ١٧٤ الذي يعتبر من أكثر القوانين إثارة للجدل بين اللبنانيين في العامين الماضيين. وتشكل الاستراتيجية الموزعة في خمسة محاور خارطة طريق لتعزيز تطبيق القانون الذي يهدف الى الحد من التدخين، وحظر إعلان المنتجات التبغية، وتنظيم تغليف الدخان وبيعه.
وكشف مدير البرنامج فادي سنان، خلال ورشة عمل مع الإعلاميين أمس، أن إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) لم تتعاون بنحو بنّاء لإقامة ورشة عمل إقليمية بهدف مناقشة زيادة الضرائب على الدخان، وفق ما تقتضيه الاتفاقية الدولية للحد من التدخين. وكانت الريجي قد اشترطت على وزارة الصحة أن يتم رفع سعر الدخان في جميع دول الجوار (الاردن، سوريا، تركيا) في وقت متزامن، وذلك لضمان عدم ازدهار التهريب عبر المعابر الحدودية في حال بات الفرق في السعر يعادل ٢٠٠% من قيمة المنتج. ومن المعلوم أن سوق التهريب بين لبنان وسوريا مزدهر بنحو كبير، عززته الأزمة السورية المستمرة منذ عامين. وترفع إدارة الريجي الصوت عالياً عندما يجري التهريب من سوريا الى لبنان، لكنها تصمت عن أعمال التهريب المعاكس من لبنان الى سوريا والعراق. ويعدّ تهريب الدخان من لبنان في اتجاه سوريا الأكثر نشاطاً من باقي الدول، وذلك بسبب قرب الحدود اللبنانية من دمشق التي تعتبر السوق الاستهلاكي الاكبر.
وفي وقت تخطط فيه وزارة الصحة لزيادة الضرائب على الدخان كوسيلة للحد من استعماله، تخضع زيادة الأسعار بالنسبة إلى وزارة المال، وهي سلطة الوصاية على إدارة الريجي، لمنطق العرض والطلب وحجم العائدات الناتجة من بيع الدخان. وإزاء ذلك، وفي ظل حكومة تصريف أعمال، لا يتوقع أن تطبّق زيادة أسعار الدخان في لبنان في المدى المنظور.

استحقاق آخر تنتظره تجارة الدخان في لبنان يتعلق بالمهلة القانونية التي نص عليها قانون الحد من التدخين، الذي حدد الثالث من أيلول ٢٠١٣ موعداً إلزامياً لوضع نص تحذيري على مساحة ٤٠% من علب الدخان على الوجهين. قاتلت إدارة الريجي بشراسة أثناء صياغة المرسوم التنفيذي المتعلق بالنص التحذيري لضمان أن يشمل ٤٠ في المئة من إجمالي العلبة، لتكسب مساحة أكبر للمنتج على حساب التحذير، لكن المرسوم الذي خضع لاستشارة مجلس شورى الدولة لا يقبل التأويل، وأي محاولة للتلاعب في مساحة النص التحذيري تحتاج الى تعديل المرسوم التنفيذي.
يفيد سنان أن وزارة الصحة أجرت أكثر من اجتماع عمل مع إدارة الريجي تمهيداً لبدء تطبيق إلزامية الأغلفة التحذيرية ضمن المهلة القانونية التي نص عليها القانون. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن إدارة الريجي مدعومة من شركات التبغ العالمية سوف تطلب مهلة سماح إضافية لفترة ستة أشهر على الأقل، بذريعة وجود كمية من المخزون لم تصرّف بعد. يرفض سنان هذه الذريعة، ويؤكد أن وزارة الصحة لن تقبل بمهل إضافية بعد مرور عام كامل على تطبيق القانون، خصوصاً أن شركات التبغ وإدارة الريجي تعلم أن القانون سيتضمن هذا الإلزام منذ ما يزيد على خمس سنوات.
وفي مقابل مطالبة شركات التبغ بمهل إضافية لسريان النص التحذيري، جاءت استراتيجية وزارة الصحة لتؤكد ضرورة صدور مرسوم تنفيذي بالشراكة مع وزارة المال يتضمن وضع صورة الى جانب النص التحذيري، وهو أمر يتعذر إقراره في ظل حكومة تصريف أعمال. وكانت الجمعيات الاهلية قد سعت أثناء مناقشة القانون الى أن يتضمن نصاً صريحاً يلزم بوضع صورة الى جانب النص التحذيري، لأن الدراسات أثبتت نجاعة هذا التحذير الذي يؤثر على الأميين وعلى فئة الشباب. وتطبق العديد من دول العالم وضع صورة تحذيرية على علبة الدخان، وتتراوح الصور في مدى جرأتها وصراحتها، حيث توضع صورة أسنان مصابة بالسرطان، ورئة المريض التالفة نتيجة التدخين، وتفيد الدراسات بأنه بقدر ما تكون الصورة صادمة وصريحة يتأثر المدخن إيجاباً ويبدأ التفكير جدياً بالإقلاع عن التدخين.
بند آخر تضمنته استراتيجية وزارة الصحة يتعلق بالتعاون مع إدارة الاحصاء المركزي في متابعة المسوحات الوطنية المتعلقة بالتدخين. لكن الأجدر بوزارة الصحة أن تعمل على إبراز المسوحات الصحية التي تجريها، خصوصاً السجل الوطني للسرطان الذي لم يصدر باللغة العربية منذ عام ٢٠٠٥. ويستند سجل السرطان الى استمارات إلزامية لكل مريض يتلقى دعم وزارة الصحة. ويسجل سرطان البروستات لدى الرجال، وسرطان الرئة لدى النساء نسباً مرتفعة جداً، الأمر الذي يشير إلى الارتباط الوثيق بين الامراض السرطانية والتدخين، إضافة الى غيرها من الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والسكتة الدماغية وأمراض الاوعية الدموية والقلب والسكري.