لا يمكن، حتى الآن، تقييم الحركة الاقتصادية في أسواق صيدا، برغم مرور أكثر من أسبوع على انهاء حالة أحمد الأسير وإزالة مربعه الأمني في عبرا. تحتاج المدينة الى وقت أطول لاستعادة زوارها وزبائنها، قد يمتدّ شهوراً لأشهر، كما رجح بعض تجّارها، «لكي تستعيد دورها كبوابة للجنوب وعاصمة له».في اليوم التالي لانتهاء عملية الجيش في عبرا، توجهت الأنظار إلى شوارع المدينة وأسواقها، حيث ظن أهلها أن أبناء الجوار الذين انفضّوا عنها لأشهر طويلة بسبب تحركات الأسير وتحريضه المذهبي ضدهم، سيحضرون فور فرار من أجبرهم على الابتعاد عنها. لكن الأيام الماضية سيطر عليها الجمود. السبب «استمرار الحالة الأسيرية والتصريحات التحريضية والمذهبية التي انتقلت من الأسير إلى تيار المستقبل والجماعة الإسلامية وهيئة العلماء المسلمين وسواهم من حلفائه» بحسب مصادر مواكبة. هؤلاء، وأنصار الأسير في صيدا والمناطق، لم يقلعوا عن عادتهم في جعل صلاة الجمعة من كل أسبوع، موضع حذر وترقب أمنيين وسياسيين.

وفي هذا الإطار شهدت الجمعة الأولى بعد فراره، إشكالاً بين الجيش ومتظاهرين أصروا على كسر إجراءاته الأمنية والوصول إلى مسجد بلال. إطلاق النار في الهواء الذي قام به الجيش لتفريق المتظاهرين، وصل إلى وسائل الإعلام على أنه اشتباك مسلح بين الطرفين. الأمر الذي أعاد المدينة إلى نقطة الصفر أمنياً، وهي لم تكن قد التقطت أنفاسها بعد.
شوارع صيدا استعادت زحمتها في عطلة نهاية الأسبوع كممر عبور للمئات من أبناء الجنوب وجزين وشرقي صيدا، لقضاء «الويك أند» في مسقط رأسهم بعدما منعتهم من ذلك أحداث الأسبوع الدامي. قلة من هؤلاء استعادت عاداتها السابقة وعرجت على الأسواق للتبضع وشراء الحلويات التي تشتهر بها
المدينة.
الحذر من مقاربة صيدا بعد الأسير عززته الدعوات إلى المشاركة في «ثورة الكرامة» والعصيان المدني بعد صلاة الجمعة الماضي «لنصرة الشيخ أحمد الأسير وانتصاراً لكرامة شباب السنة الذين يعتقلهم الجيش ويعذبهم ويقتلهم» بحسب ما جاء في الدعوات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف.
«الغضب الساطع» من جماعة الأسير، يضرب المنطقة بكاملها من صيدا حتى عبرا. فما الذي يتأمله أصحاب المحال على أبواب رمضان؟. يجمع عدد منهم على أن السوق لن يستعيد حركته إلا بعد انتهاء ذيول حالة الأسير نهائياً، ويأملون ان يعزز شهر رمضان مظاهر عودة الاسواق الى حالتها المعتادة. الا ان الخطاب التحريضي المذهبي الذي «هرّب أبناء المحيط لا يزال حاضراً بقوة وبشكل علني وبصوت عال» يقول أحد أصحاب المحال.
في رمضان الماضي، منيت المدينة بخسائر باهظة، خصوصاً أن اعتصام الأسير المفتوح استمر حتى الأيام العشرة الأولى من الشهر الكريم. عشرات محال الحلويات خسرت معظم زبائنها من الجنوبيين، إما بسبب إقفال الطرقات بسبب الاعتصام أو بسبب مناصرة بعض أصحابها للأسير. التوتر الأمني والخطاب التحريضي الذي لازم صيدا بعد إنهاء الاعتصام، انعكس فراغاً في الكورنيش البحري و المقاهي التي كان يقصدها أبناء الجوار لتمضية السهرات حتى السحور.
في الفترة الماضية، سجل للمرة الأولى في صيدا فرز طائفي لأصحاب المحال التجارية. قبل أشهر، أوعز الأسير إلى أنصاره بإجراء مسح للمحال الذي يملكها شيعة أو موالون لحزب الله وحركة أمل. وتبين أن أكثر من 22 في المئة من المحال يملكها تجار من خارج المدينة. وبعيدا عن المسح الأسيري، بات الكثيرون يمارسون «الطائفية الشرائية» تلقائياً، فيعمدون إلى التحقق من هوية صاحب المحل وانتمائه قبل «تنفيعه».
رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في صيدا والجنوب محمد صالح قال في حديث لـ«الأخبار» ان الجمود الذي ضرب أسواق صيدا بسبب الحالة الأسيرية «تراوح بين 35 و38 في المئة لأن 70 في المئة من المستهلكين في أسواق صيدا هم من الجنوبيين». لكنه لفت الى أن حركة الأسواق بدأت تتحسن تدريجياً في الأيام الماضية، برغم أن وقتاً طويلاً ينبغي أن يمرّ قبل أن يطمئن المستهلكون المقيمون خارجها وتهدأ تداعيات معركة عبرا. وعزا صالح سبب تحول الكثيرين عن قصد صيدا للتبضع او التنزه الى «الخوف من وقوع إشكالات أو قطع طرقات».
واللافت أن «الأسيرية» لم «تطفش» الجنوبيين فحسب من صيدا، بل والمستثمرين الأجانب أيضاً. وفي هذا الإطار، أشار صالح إلى أن صيدا والجنوب لم يجذبا أياً من رؤوس الأموال السورية والتجار وأصحاب المعامل الهاربين من حلب ودمشق للاستثمار في لبنان. وبلغت نسبة المحال التي أقفلت في صيدا بسبب الأسير حوالى 3 في المئة، فيما بلغت نسبة أصحاب المحال الذين تكدست بضائعهم أكثر من 18 في المئة. ولمّح صالح إلى عوامل مستجدة مثل بروز أسواق جديدة في النبطية وصور والزهراني وجزين لتلبية حاجات أبناء هذه المناطق بدلاً من صيدا وتمكنوا من كسبهم كزبائن
دائمين.
وفي محاولة لاستعادة حركة الأسواق قبيل رمضان، لفت صالح إلى أن الغرفة تحضر لعقد سلسلة لقاءات مع التجار والفعاليات السياسية للاتفاق على تهدئة الخطاب وضبط تداعيات أحداث عبرا. وفي هذا الإطار، تفتتح الغرفة نهاية شهر رمضان معرض تشجيع الابتكار في الصناعات الغذائية برعاية الاتحاد الأوروبي وبمشاركة شركات من لبنان والعالم.