اشتكى أهالي منطقة شكا من انبعاث رائحة كريهة جداً في الأجواء، في محيط شركة الإسمنت الأبيض التابعة لشركة «هولسيم». وبحسب الناشط البيئي بيار أبي شاهين، فإن هذه الروائح سببت العديد من حالات الغثيان والإغماء. وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بالشركة، لكن أرقام الهاتف كانت مغلقة.
وأفاد أبي شاهين بأن هيئة حماية البيئة في شكا أرسلت شكوى عاجلة إلى وزارة البيئة «وطلبنا إجراء تحقيق عاجل في السبب الذي أدى إلى انبعاث هذه الرائحة التي لم يعهدها سكان شكا من قبل». ولفت أبي شاهين إلى أن المدير العام لوزارة البيئة بيرج هاتجيان، وعد بإرسال فريق تقني من الوزارة صباح اليوم للتحقيق في الشكوى.
وبحسب بيان صادر عن «هيئة حماية البيئة»، توجه عدد من السكان إلى موقع شركة الإسمنت الأبيض، فتبين بوضوح أنها مصدر هذه الروائح، ولدى مراجعة البلدية منذ أكثر من أسبوع، أُفيد بأنها تدرس الموضوع. لكن الأهالي يشككون في جدّية متابعة البلدية لملف شركات الإسمنت في شكا، بسبب تضارب مصالح مع رئيسها فرج الله الكفوري الذي ينقل المواد الأولية للشركات عبر سفن بحرية يملكها.
وكانت «الأخبار» قد أثارت ملف التلوث البيئي في شكا مرات عدة، وخصوصاً غياب الرقابة على نوعية مادة «البتروكوك» التي تستخدم في حرق مادة الكلنكر في أفران شركات الترابة.
المواطن ميشال الدويهي الذي يسكن في منطقة السهل، قال لـ«الأخبار» إن الروائح المنبعثة من شركة الإسمنت الأبيض كريهة جداً، وتظهر آثار منها على اليدين في حال لمس الشرفات. وأكد الدويهي أنه يضطر إلى إغلاق جميع شبابيك منزله صيفاً وشتاءً لتفادي الروائح.
وتعرف مادة «البتروكوك» بأنها فضلات بترولية جافة مصنفة في خانة «الوقود الرديء» وتسبّب أضراراً صحية عالية، وخصوصاً إذا كانت نسبة الكبريت الموجودة فيها تتجاوز 6%. ويلفت أبي شاهين إلى أن الروائح المنبعثة في شكا خلال الأسبوعين الماضيين تشي بأن نسبة الكبريت تجاوزت 15%، وهو أمر إن ثبتت صحته يستدعي وقف العمل بالأفران فوراً وفتح تحقيق جدي ومحاسبة الفاعلين.
وتتغاضى وزارتا البيئة والأشغال العامة عن تطبيق شركات الإسمنت لشروط تفريغ «البتروكوك» الآمنة وتخزينها، وأهمها «أن يكون مكان التخزين مغلقاً من كل الجوانب ومسقوفاً منعاً لتكوّن تيارات هوائية».
وكانت وزارة البيئة قد منحت شركة «هولسيم لبنان» في تشرين الأول 2012 الموافقة على إجراء اختبار تجريبي على مدى ثلاثة أيام لمعالجة خمسة أطنان من الأدوية المنتهية الصلاحية في فرن معملها في شكا، وقد جرى الاختبار التجريبي تحت مظلّة مذكرة التفاهم التي وقعتها الشركة مع وزارة البيئة ووزارة الصحة، ومكتب التدقيق الفني APAVE. ولاحقاً منحت وزارة البيئة ترخيصاً بيئياً حصرياً لشركة «هولسيم» لبنان لمعالجة الأدوية المنتهية الصلاحية، بعد إعلان نجاح هذا الاختبار التجريبي».
وتقول الشركة إنها ستقدم تقارير فصلية لوزارة البيئة عن هذه المعالجة. ومن المعلوم أن طلب نقابة مستوردي الأدوية في لبنان لحرق الأدوية المنتهية الصلاحية كان عالقاً في وزارة البيئة منذ عام 2007، وذلك بسبب معارضة هاتجيان لهذا الإجراء واصراره على ترحيل هذه الأدوية إلى بلد المنشأ للتخلص منها. ولقد سعى الوزير السابق محمد رحال إلى إمرار ملف إجازة حرق الأدوية في مصانع الإسمنت، لكن عقبات إدارية حالت دون ذلك. وفي حال ثبوت أن الروائح التي انبعثت في شركة الإسمنت الأبيض ناتجة من حرق أدوية منتهية الصلاحية، فإن هذا الأمر سيسبب حرجاً كبيراً لوزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناظم الخوري، الذي نصحه أكثر من خبير بعدم إجازة حرق الأدوية المنتهية الصلاحية في لبنان، لتعذر فرض إجراءات رقابية صارمة، لكن نتائج فحوصات مكتب التدقيق الفني APAVE عجلت في صدور الترخيص الحصري لشركة «هولسيم»، الذي يمكن سحبه في أي وقت في حال ثبوت مخالفة الشركة لأحكام مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين.
ويشكك أهالي شكا في نوعية الأدوية التي ستُحرَق في الأفران وضمان خلوّها من المواد غير العضوية كالزئبق Hg والكلور Cl مثلاً، وذلك عبر إمرار كميات من الأدوية والأدوات التي تحتوي على مادة الزئبق وعلى نسب مركزة من الكلور مثل أدوية السرطان، التي يفترض ألّا تُحرَق نهائياً كما ورد في قرار وزارة الصحة رقم 58/1. كذلك يشكك الأهالي في ضمان أن تكون درجة حرارة الأفران أثناء عملية الحرق لا تقل عن 2000 درجة مؤية لضمان الاحتراق الكامل لمواد الـ DIOXINS & FURANS المسرطنة، إضافة إلى آلية التخلص من رماد الحرق الذي يصنف بأنه مادة عالية السمية، وينبغي دفنه في مطامر مخصصة للنفايات السامة، وهي غير متوافرة في لبنان.