في 10/10/2012، قرر مجلس الوزراء، مجتمعاً، الموافقة على قبول هبة عينية عبارة عن تنفيذ دراسات لانشاء طريق جديدة تربط قضاءي زحلة والمتن وتفرعاتها حتى الكرك وبدنايل ونيحا والفرزل مقدمة من بيار ميشال فتوش، (القرار رقم 74). تم اتخاذ القرار بناء على كتاب مجلس الإنماء والإعمار رقم 4825/1 تاريخ 14/9/2012 ومرفقاته الذي عرضه رئيس مجلس الوزراء (محضر رقم 85). وبحسب المحضر، اطّلع مجلس الوزراء على المستندات وتبيّن له «أن مجلس الإنماء والإعمار يفيد بأن بيار ميشال فتوش يرغب في تقديم هذه الهبة العينية، على أن يتولى إعداد الدراسات المذكورة مكتب استشاري متخصص مقبول لدى مجلس الإنماء والإعمار وبإشرافه».
المستندات التي اطلع عليها مجلس الوزراء واتخذ قراره في ضوئها «بعد المداولة»، تجاهلت خريطة عقارية تفيد بأن بيار فتوش نفسه يمتلك عقارات كثيرة حيث يرغب في التبرّع لدراسة اقامة طريق جديدة عليها ستكلّف المال العام مئات ملايين الدولارات. يمتلك «الواهب» بيار فتوش وشقيقه موسى في قاع الريم، مثلاً، (التي ستمر منها الطريق المقترحة) 3 عقارات يبلغ مجمل مساحتها نحو 19 مليوناً و624 الف متر مربع، اكبرها العقار رقم 1009 (16 مليوناً و800 الف متر مربع) يليه العقار رقم 1506 (مليون و938 الف متر مربع) والعقار رقم 1505 (886 الف متر مربع)، والعقاران الاخيران، تظهر الصحيفة العقارية وجود مشكلات حولهما، وقد انتقلا الى ملكية بيار ميشال فتوش بواسطة «البيع الجبري»!
هذا يعني ان مجلس الوزراء كان على علم بأن «فاعل الخير» سيحقق ريوعاً بمئات ملايين الدولارات (تتجاوز التقديرات المليار دولار في حال ارتفع سعر المتر المربع الواحد اكثر من 50 دولاراً)، وفي حال صدر مرسوم تخطيط هذا الطريق سيصيب التحسين عقارات بيار فتوش وسترتفع اسعارها بمعدّلات مذهلة.
في مطلق الاحوال، خالف مجلس الوزراء القانون الذي يشترط لقبول اي هبة «ان تكون لصالح الدولة اللبنانية حصراً وان لا يكون للواهب اي منفعة شخصية من خلالها»، كما يشترط «أن تندرج الهبة ضمن مخطط توجيهي تعدّه الدولة اللبنانية لتأمين مصلحتها وبالتالي مصلحة المواطنين اللبنانيين».
كثر سيتعاملون مع هذه الوقائع بقلّة اهتمام، وسيكررون المثل «الناس بالناس والقطّة بالنفاس». الأخبار عن الفساد صارت مملة والشعور بالعجز صار تامّا. الا ان تفصيلاً «صغيراً» لا بد ان يكون مستفزّاً: الآن، في ظل هذه الظروف، يعمل مجلس الانماء والاعمار على وضع قرار مجلس الوزراء بقبول «الهبة» موضع التنفيذ، وقريباً سنشهد افتعال مطالبات «شعبية» لتنفيذ الطريق كما درسها (رسمها) «الواهب»، ولا سيما ان الطريق الحالية طالها اهمال «ممنهج»طيلة الـ 15 عاما الماضية، ولم يجر تأهيلها وتطويرها منذ تعرّض لبنان لكارثة اقفال كسارة «الواهب» بيار فتوش في عام 1999، وهنا تكمن القصّة. تذكرون تلك الكسّارة الشهيرة التي منحها قاض في مجلس شورى الدولة، قبل ساعات من تقاعده عام 2005، تعويضاً قيمته 218 مليون دولار تضاف اليه فائدة بنسبة 9% كغرامة تأخير (اي ان المبلغ صار اليوم مضاعفاً). كسارة ضهر البيدر كانت واحدة من كسّارات عدّة يمتلكها بيار فتوش (احداها في الجيّة) اقفلتها حكومة الرئيس سليم الحص لمدة محدودة اواخر التسعينيات. وقد سارع وكيله (شقيقه النائب والوزير) نقولا ميشال فتوش الى تحويل الاقفال الى منفعة شخصية كبرى، فتقدّم بنحو 34 مراجعة، 5 منها تطالب بتعويضات قيمتها تصل الى مليار و200 مليون دولار، من بينها دعوى كسارة ضهر البيدر التي صدر الحكم فيها، قبل تجميد اصدار الاحكام بالدعاوى الاخرى.
قصّة «كسارات فتوش» رواها الزميل بسام القنطار بصورة وافية ودقيقة في تحقيق نشرته «الأخبار» في العدد ١٨٢٣ (الثلاثاء ٢ تشرين الأول ٢٠١٢) تحت عنوان «كسارات فتوش: ضهر البيدر يقصم ظهر الدولة» http://goo.gl/yP9Ct. الا ان قراءة هذه القصّة ستكون اكثر اثارة اذا اقترنت بقراءة محضر جلسة النواب http://goo.gl/sCEgL المنعقدة في 22/9/2011 التي ناقشت اقتراح قانون قدّمه نقولا فتوش يرمي الى الزام الادارة بتنفيذ احكام شورى الدولة، ومنها حكم التعويض على كسارة شقيقه بيار بمبلغ 218 مليون دولار (من دون الفوائد) بسبب اقفالها بقرار اداري لمدة سنة وبضعة اشهر. باختصار، ترسم هذه القصّة طريقة من طرق عمل النظام التي تقوم على تبادل المنافع السياسية والشخصية في اطار منظومة شاملة من آليات الفساد وصرف النفوذ. استخدم الاشقاء فتوش نفوذهم وصلاتهم وقدرتهم على استغلال منظومة الفساد ليستحصلوا على حكم «مبالغ به» من مجلس شورى الدولة. وسرعان ما نجحوا في عرض ولائهم لمن يدعم جهودهم من اجل الحصول على «التعويض» من الخزينة العامّة. حصل ذلك عندما تراجع فؤاد السنيورة (كان رئيسا لمجلس الوزراء عند صدور الحكم) عن طلب اعادة المحاكمة، يومها كانت قوى 14 آذار تحتاج الى ولاء نقولا فتوش، ما ادّى الى حرمان الدولة من حقها في المراجعة، علما ان السنيورة هو الذي طلب اعادة المحاكمة بعدما كان وزير الداخلية والبلديات حينها، الياس المر، قد ابلغ مجلس شورى الدولة موافقته على الحكم وامتناعه عن الاعتراض عليه! حصل ذلك ايضا عندما احتاجت قوى 8 آذار الى ولاء نقولا فتوش، واندفعت في جلسة مجلس النواب المذكورة الى الدفاع عن اقتراحه الرامي الى اجبار الخزينة العامّة على تسديد مئات ملايين الدولارات له من اموال الضرائب! كان دعم نواب حزب الله فاقعاً وكذلك نبيه بري والى حد كبير ميشال عون... ولكن فؤاد السنيورة كان لديه الحل الذي وافق عليه الجميع، تم ردّ اقتراح قانون نقولا فتوش، بحسب اقتراحه، على ان تجري لاحقا مفاوضات لانجاز «تسوية بسيطة كي ننتهي من هذا الأمر الذي حوى الكثير من الممارسات والملابسات، هذا هو اقتراحي. شكراً دولة الرئيس».
بعد 13 شهرا من جلسة مجلس النواب، ظهرت نتائج المفاوضات: مقايضة التعويضات وفوائدها بطريق تشقّها الدولة عبر عقارات بيار فتوش بحجّة ربط المتن بزحلة وتخليص الناس من مشقّة عبور الطريق الحالية المهملة. في الواقع ليس هناك اي مبرر لتحمّل كلفة شق طريق جديدة واستملاك العقارات اللازمة لذلك ما دامت الطريق الحالية قابلة للتوسيع والتأهيل بكلفة اقل بكثير. وليس هناك مبرر الا تعويض الاشقاء فتوش برفع اسعار عقاراتهم بما يتجاوز قيمة التعويضات التي يطالبون بها في كل الدعاوى المرفوعة الى مجلس شورى الدولة وليس فقط الحكم الصادر في قضية اقفال كسارة ضهر البيدر.
نعم، النظام ما زال يعمل، وجميع المسيطرين على الدولة على طرفي الصراع ملتزمون بنتائج «التسوية البسيطة». ما زال نقولا فتوش حاجة بعد تمديد مجلس النواب لنفسه سنة و5 اشهر اضافية.