75 كيلومتراً بعيداً عن شاطئ حيفا، وعلى عمق 4800 متر، انتهى الحفر الاستكشافي لحقل «كارديش» في منتصف أيار الماضي. لم يمض أسبوع على الإعلان حتّى كشفت الشركة التي تطوّره، «نوبل»، أنّ الحقل يحوي احتياطات محتملة من الغاز الطبيعي قد تصل إلى تريليوني قدم مكعبة.
هو الاكتشاف السابع لهذه الشركة في الحوض الشرقي للمتوسط. في الإجمال تُصبح الكمية التي تم اكتشافها ــ مع إضافة الزيادات الأخيرة في حقلي «تمار» و«ليفايثان» ــ حوالي 38 تريليون قدم مكعبة.
الأخبار تُفرح تل أبيب التي بدأت تتأمّل إمكان تصدير ثروتها الحديثة. غير أنّها تُشكّل خطراً على لبنان لسببين تحديداً. الأوّل هو قرب الحقل الجديد من الحدود البحرية اللبنانية على نحو يُمكّن إسرائيل من الوصول إلى ثروة لبنان الخاصة. والثاني هو أنّ إسرائيل تمضي باستكشافاتها فيما يتأخّر لبنان في روزنامته النفطية.
أثار وزير الطاقة والمياه جبران باسيل هذه المخاوف أمس. قال في مؤتمر صحافي: «بات لدى اسرائيل الإمكانية نظرياً للوصول الى النفط اللبناني، وهذا أمر خطير وجديد». لمواجهته على لبنان أن يُتمّ فروضه النفطية، عبر عقد «جلسة استثنائية للحكومة من أجل إقرار المرسومين الملحين والطارئين المتعلقين بترسيم البلوكات البحرية؛ وباتفاقية الاستكشاف والإنتاج».
تفصيلياً، يبعد طرف حقل «كاريش» الشمالي أربعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، وتحديداً عن البلوك اللبناني رقم 8، ويبعد ستة كيلومترات عن البلوك رقم 9. أما البئر التجريبية الاستكشافية التي حُفرت فتبعد 15 كيلومتراً.
«لا يمكننا القول اليوم إن هناك كارثة وقعت» أوضح الوزير، لكن الاكتشاف الإسرائيلي الجديد قد يؤدّي إلى حدوث مثل هذه الكارثة، وخصوصاً إذا استمر التأخير اللبناني. فإذا عمدت إسرائيل إلى الحفر الأفقي (Horizontal Drilling) مستخدمة التقنيات الأميركية المتاحة، تتمكن من الوصول لغاية 10 كيلومترات شمالاً، أي باتجاه المكامن النفطية اللبنانية. أمّا إذا عمدت إلى الحفر عمودياً، يُمكنها شفط الثروة اللبنانية في حال كان هناك تداخل بين الحقلين اللبناني والإسرائيلي.
المخاوف منطقية إذاً. وإن كانت لم تتبلور حتّى الآن، وهي تُعدّ حافزاً للجانب اللبناني على المضي قدماً في تنفيذ جدول الاستحقاقات المحدّد. إذ بعد تأهّل 46 شركة عالمية في نيسان الماضي، أطلقت دورة التراخيص الأولى في الثاني من أيار. تستمرّ الدورة 6 أشهر. خلال هذه الفترة تجري الشركات لقاءات مع الجانب اللبناني ــ أي وزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع النفط ــ وتتفاوض معه انطلاقاً من المسوّدة التي وضعها حول اتفاقية الاستكشاف والإنتاج (EPA) وكيفية تقسيم البلوكات البحريّة، وهي المساحات العشر التي تراوح بين 1500 كيلومتر مربع و2500 كيلومتر مربع التي تُقسّم على أساسها المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، والتي تبلغ مساحتها 22 ألف كيلومتر مربع.
«لكي يثبّت لبنان حقّه بثروته الطبيعية وتحديداً أمام إسرائيل المشهورة بالقرصنة، عليه بالحدّ الأدنى احترام برنامج العمل المحدد» يشرح الخبير النفطي اللبناني ربيع ياغي. «عند إقرار مرسومي اتفاقية الإنتاج والاستكشاف والبلوكات البحرية وبعده منح الامتيازات، يجب أن تبدأ عمليات الحفر والتنقيب في جنوب الجنوب، لأنّ لا مشاكل (سيادية) في شمال الساحل أو في وسطه».
وتأتي تحذيرات جبران باسيل مع استمرار المشكلة الرئيسية بين لبنان وإسرائيل والتي تتمثّل في الترسيم الخاطئ للحدود الذي نفذته الأخيرة مع قبرص التي تشترك أيضاً بثروة في الحوض الشرقي للمتوسط. نتيجة ذلك الترسيم قُضم من حقّ لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة مساحة تبلغ 860 كيلومتراً مربّعاً.
«إسرائيل ستمسح كل المنطقة الاقتصادية العائدة لها، أكان عند حدودنا أو عند حدود غزة ومصر» يتابع ربيع ياغي. «كل اكتشاف يعد قيمة مضافة للاقتصاد الإسرائيلي».
وبالفعل في تعليقه على اكتشاف «كاريش»، قال المدير التنفيذي لشركة «Delek» (شريكة «Nobel» في التنقيب) يوسي آبو، لصحيفة «هآرتز»، «تُثبت التجارب السابقة أنه عندما تبحث عن الغاز، تجد المزيد من الغاز»!
شدّد جبران باسيل على أن «لدى لبنان القدرة على أن يدافع عن موارده في هذا المجال»، و«أنّ معادلة «الدولة والجيش والمقاومة» هي عنصر القوّة للبنان». برأيه لا مصلحة لإسرائيل في التعدّي على المكامن اللبنانية.
لكن هل هناك مصالح محلّية يهمها أن يتأخّر العمل في القطاع النفطي؟ بحسب معلومات «الأخبار»، فإنّ جبران باسيل سيُجري جولة الأسبوع المقبل على المعنيين بهذا الملفّ لاستيضاح مواقفهم. وهو قال أمس إنّه سيتم التواصل مع رئيسي الحكومة والجمهورية لعقد الجلسة الاستثنائية المطلوبة، كما سيتم التواصل مع الكتل النيابية لرفع قانون معجّل مكرر خاص بالقانون الضريبي المعدّل الذي يزيد استفادة لبنان من موارده مقارنة بالمواد القانونية الحالي.