تفترض قواعد الشفافية والحوكمة التي «تنظّر» لها المصارف، الإفصاح عن الأرباح ومصادرها. في رأي غالبية المصارف أن هذه القواعد ليست مخصصة لإجراء أي نقاش في هذا المجال، أي أنها تكتفي بإعلان الأرقام وتترك «للراغبين» استنباط الدلالات من الأرقام وتفسيرها. لا شكّ أن قواعد الشفافية تقتضي تفسير الأرباح من خلال مدلولها الاقتصادي لحركة تدفق الثروة في الاقتصاد وإعادة توزيع هذه الثروة بواسطة نظام ضريبي عادل. الأرقام ودلالاتها ومؤشراتها لا تترك هذا الانطباع بل على العكس تؤكد أن تركّز الثروة يزداد.
قلّة من اللبنانيين تعلم مصادر أرباح المصارف. يخصّص التقرير السنوي لجمعية مصارف لبنان، 3 صفحات لتفسير أرباح المصارف بعنوان «الأداء المصرفي». تحاول هذه الصفحات توجيه القارئ نحو مؤشرات «التفافية»، مثل العائد على متوسط الموجودات، بعيداً عن دلالات واقعية لهذه الأرقام. التقرير يؤكد أن العائد على متوسط الموجودات البالغ 1.04% في 2012، منخفض مقارنة مع مثيله لدى المصارف العربية الكبيرة حيث يبلغ 1.52%... هل يصلح هذا المؤشّر معياراً للقياس في لبنان؟
لا مجال للمقارنة بين الاقتصادات العربية النفطية المزدهرة بالصناعة والخدمات، وبين الاقتصاد اللبناني غير النفطي وغير الصناعي القائم على تحويلات المغتربين وإيرادات السياحة الخليجية. لذا، فإن تفاصيل الأرقام هي وحدها التي تشير إلى الحقائق؛
في عام 2012 حقّقت المصارف إيرادات إجمالية بقيمة 9.3 مليارات دولار. أبرز مصادر هذه الإيرادات هي الفوائد التي تحصّلها المصارف من تسليف الأموال للقطاعين العام والخاص والتي بلغت 7.9 مليارات دولار. وفي المقابل دفعت المصارف للمودعين فوائد على ودائعهم بقيمة 5.22 مليارات دولار، وهذا يعني أن الهامش بين الفوائد المدفوعة والفوائد المقبوضة والذي يمكن توصيفه بأنه الربح الناتج من الفوائد، بلغ 2.7 مليار دولار.
كل هذا المبلغ حقّقته المصارف من دون أدنى مجهود، بل اكتفت بتسلم الودائع وتوظيفها في سندات الخزينة وفي شهادات الإيداع لدى مصرف لبنان وودائع لدى مصرف لبنان أيضاً وإيداعها لدى مصارف المراسلة. لكن بما أنه يترتب على المصارف مخاطر من جراء التوظيفات التي تقوم بها، فقد فرض عليها اقتطاع مبلغ 181 مليون دولار مؤونات لإطفاء الديوان المشكوك بتحصيلها، فلم يبق من صافي الفائدة المحصلة سوى مبلغ 2.5 مليار دولار.
لكن الفوائد ليست مصدر الأرباح الوحيد للمصارف، بل هناك مصدر آخر بدأ يتنامى خلال السنوات الأخيرة. فمع ارتفاع وتيرة الاعتماد على المعاملات المصرفية لتنفيذ الكثير من الأعمال الفردية والمؤسساتية، بدأت تفرض على زبائنها عمولات إضافية وتزيد قيمتها لتبلغ في نهاية 2012 نحو 1.38 مليار دولار بزيادة نسبتها 20% على العمولات المحصلة في 2011.
تزعم المصارف أن أعباء الموظفين كبيرة عليها، لكن الأرقام تقول العكس تماماً: أعباء المستخدمين في القطاع المصرفية تبلغ 1.1 مليار دولار، لكنها تساوي 28.5% من الإيرادات (تتألف من صافي الفوائد المقبوضة وصافي العمولات والإيرادات المختلفة).
اللافت في هذه الأرقام، أن الأعباء العمومية والإدارية والتشغيلية تبلغ 2 مليار دولار. لكن ما لا يعلمه اللبنانيون، أن المصارف لا تسدّد سوى 448 مليار ليرة (298 مليون دولار) ضرائب للدولة، وهي ترفض أي زيادة عليها في هذا المجال... أي أن حصّة المصارف في إعادة توزيع الثروة (من خلال مبالغ الضريبة) تعدّ زهيدة قياساً بما تحصّله من إيرادات وعوائد، فالضرائب تعادل 7% من الإيرادات الصافية فقط!