وجه زينب الموشّح باللكمات وجسدها الذي يحمل كسوراً في كلّ جانب منه، صرخا أخيراً، «حرّروني منه». لكن من يسمع صراخها ويزيل هذا الهمّ الذي يضغط على صدرها ويهدّد حياتها وحياة ولديها؟ لو كانت سيارة اقتربت لتصدم زينب وولديها، لكان المجتمع كلّه خاف عليها. ولو أنّها قضت مع عائلتها الصغيرة في إحدى جولات العنف المتنقّلة في البلاد لكانت صورها علّقت على جدران المدينة وذيّلت بعبارة «الشهيدة»، وبكتها عائلتها أمام شاشات التلفزة. لكن لأنّ زوجها نفسه هو الخطر الذي يتهدّد حياتها وحياة ولديها، يهون الموت عندها، لا بل يصبح أمراً لا يعني الرأي العام، ويصبح بإمكان عائلتها أن ترفض سماعها لتعيدها بأسرع ما يمكن إلى حضن معنّفها، تلافياً للفضيحة. عندها يمكن أن تقرأ خبر مقتل امرأة والعثور على جثّتها مقطّعة في مستوعب للنفايات في الطريق ولا تكترث، أو ألا تقرأ خبراً عن جثة امرأة أخرى وجدت في مجرور الصرف الصحي، بما أنّ الوسائل الإعلاميّة ستفكّر إن كانت تتّسع صفحاتها أو مجالها الهوائي لخبر عابر كهذا.
لو كان زوج زينب فعل بغريب في الطريق ما فعله بها، لكان اقتيد إلى السجن بتهمة محاولة القتل. أليس ضربها عدّة مرات بعصا غليظة على رأسها ــ فوجئ الطبيب بخروجها منها بإصابة بسيطة في الرأس ــ وكسر يدها وضربها حتى اسوداد وانتفاخ جسدها، محاولة للقتل؟ أم لأنها في بيته وليست في الشارع اخترع الناس لأجلها أمثالاً، على شاكلة «ضرب الحبيب زبيب»؟ اثنتا عشرة عملية جراحية بسبب ضرب زوجها وأولاده الثلاثة لها، وعشر محاولات انتحار، ليست زبيباً بالتأكيد. إنّها وحشيّة وإجرام موصوفان، لا يمكنهما أن يحرّكا أي مخفر لإلقاء القبض على الزوج، كما لم يتحرّك أي دركي من أجل حماية زينب، في البقاع الغربي، رغم تقدّمها بشكوى ضدّ زوجها. فهذه «قضايا عائلية» لا تتدخّل الدولة فيها!
من يجرؤ الآن على الادعاء أنّه لم يسمع صوت زينب حين صرخت «حرّروني منه»، في المؤتمر الصحافي الذي نظّمته، أمس، منظّمة «كفى عنف واستغلال» لتذكير السياسيين بوعودهم المنكوسة حول قانون حماية النساء من العنف الأسري، إذ إنّ الوعود التي قطعها المجلس النيابي بشأن إدراج مشروع القانون المذكور على جدول أعمال أول جلسة تشريعية يعقدها المجلس، ووعود النواب من مختلف الكتل النيابية وتحديداً من رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال كلمة تنصيبه مرة جديدة رئيساً للمجلس عام 2009، ثم من خلال مستشاره الإعلامي علي حمدان، لا تساوي حبر الورق الذي كتبت به.
في المؤتمر، جلست ريم إلى جانب زينب. وهي ليست سوى امرأة أخرى هاربة من عشّ العنف الزوجي. اسم آخر على لائحة المعنّفات ومرشّحة أخرى على لائحة الموت. زينب وريم تخطّيتا حواجز الخوف وقررتا أن تخبرا قصّتيهما للإعلام. ظهر وجهاهما واسماهما واضحين للجميع، رغم الخطر المحدق بحياتيهما. فإذا خطت السيدتان، وغيرهما كثيرات، خطواتهنّ الجريئة على أمل حصولهنّ على الحرية، فهل تقابل الدولة تضحيات مواطنيها، لمرّة واحدة، بقرار يضمن حياتهم؟