يستقبل مستشفى بيروت (رفيق الحريري) الحكومي 350 حالة في ظروف عمله المعتادة، اليوم لا يستقبل سوى 100 حالة، والوضع قد يزداد سوءاً في ظل العجز التام عن إيجاد الحلول المستدامة لأزماته المستفحلة، ولا سيما الأزمة المتصلة بالعجز عن تأمين حقوق موظّفيه وأكلافه التشغيلية. يبدو المستشفى كمدينة للأشباح. أضواء خافتة مسلّطة فوق قلّة من الموظّفين لا يزالون يواظبون على عملهم. الأكثرية الساحقة من الموظفين عادوا الى اعتصامهم المفتوح بسبب عدم حصولهم على مطالبهم، ما عدا الراتب الأساسي لشهر أيار المتأخّر 25 يوماً، فيما راتب حزيران والمفعول الرجعي وبدل النقل تعتمد على «توفّر الموارد»، بحسب المدير العام للمستشفى د. وسيم الوزّان.
أمس، بلغت مسامع المعتصمين أخبار متناقضة، بعضها طمأنهم وبعضها الآخر أثار غضبهم من جديد. فمن جهة، صدر بيان عن المديرية العامة للمؤسسة العامة التي تتولى إدارة المستشفى أنّه «بعدما تأمنت رواتب وتعويضات جميع المستخدمين والمياومين بفضل الجهود التي بذلت من وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال، علي حسن خليل، وإدارة المستشفى والعديد من الرسميين والمسؤولين، يفترض أن تعود الأمور إلى نصابها وأن يستأنف العمل بشكل طبيعي»، واختزل البيان في جملته الأخيرة تهديداً بصرف الموظّفين: «عدم استئناف العمل ابتداءً من يوم 25/6/2013 سيحمل الإدارة على اعتبار ذلك غياباً غير مبرر، ستتخذ بشأنه الإجراءات القانونية». تابع الموظّفون اعتصامهم، بينما وصلت إلى ثلاثة منهم تهديدات بصرفهم من عملهم إذا استمرّوا بالاعتصام. وصلتهم الرسالة عن طريق زملاء لهم، بما أنّ الإدارة غائبة عن الأنظار والسمع هذه الفترة، حتى أصبح «الإعلام» مصدر الموظّفين لمتابعة إجراءات إدارتهم. رسالة أخرى من الإدارة وصلت عبر «الواتس آب» مفادها أنّ الإدارة ستدفع رواتب شهر حزيران في الأول من تموز، إضافة إلى بدل النقل لشهر أيار وستدفع المفعول الرجعي على أقساط تمتدّ على ستة أشهر. لكن، هل يصدّق الموظّفون الوعد هذه المرّة؟ سيتشاورون صباح اليوم في إمكانية إعطاء مهلة للإدارة حتى الأول من تموز ليتبيّن حينها إن كانوا سيحصلون على ما وعدتهم به الإدارة، أمّا إذا كانت «خديعة أخرى» فسيعمدون إلى إقفال المستشفى بكامله، بما فيه قسم الطوارئ.
مستشار وزير الصحّة، حسان جعفر، لا يرى سبباً لاستمرار الاعتصام في المستشفى. يرفض أيّ حديث عن أيّ مكيدة نصبت للموظّفين، ويقول إنه تمّ الوفاء بالوعد الذي قطعه لهم المسؤولون في بيان الأسبوع الماضي. فهم وعدوهم بالراتب وقد حصلوا عليه. عندما نشير إلى أنّهم حصلوا فقط على أساس راتبهم، يجيب جعفر بأنّ «هذه ليست مشكلة، وإدارة المستشفى ستعمد إلى دفع بدل النقل في الأيام القليلة المقبلة. فكلّما تأمّنت الأموال سيصار إلى الدفع»! ورواتب الأشهر المقبلة؟ كما الوزّان، يعود جعفر ليربط الموضوع بتوفّر الأموال. إذاً، الأزمة لا تزال في مكانها، ما هو الحلّ الذي تمّ التوافق عليه إذاً؟ يبدو أنّ الحلّ الذي خرج به المجتمعون الثلاثة في وزارة الصحّة الأسبوع الماضي، (وزير الصحة علي حسن خليل، رئيس لجنة الصحة النيابية عاطف مجدلاني، والوزّان)، ليس سوى دفع رواتب الموظّفين أولاً، وتأجيل كلّ المستحقات الأخرى بحسب جعفر! تشمل «المستحقات الأخرى» كل ما في المستشفى، بدءاً من التنظيف إلى المعدّات. كارثة المستشفى الحكومي تتبدّى لنا مرّة أخرى. كيف يمكن لمستشفى أن يختار بين رواتب الموظّفين وبين مصاريف تشغيله والحفاظ على بديهياته الأولى كالنظافة؟! جعفر يتحدث من منطلق أنّ أزمة المستشفى هي من عمر إنشائه، قبل 8 سنوات، ولا يمكن الوقوع على حلّ سحري الآن، بل إنّ الأمر يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، وهو غير موجود الآن. فالمستشفى مدين بـ 120 مليار ليرة، الأمر الذي يجعل من أزمة الرواتب تتجدّد كلّ بضعة أشهر، إلا أنّ أزمتي المعدّات والفساد فيه دائمتان. فمن المراوح، انتقل المستشفى حديثاً إلى عصر المكيّف النقّال، لكن لا تكييف مركزياً فيه بعد. والأخطر من ذلك هو نقص المعدّات الطبيّة فيه، إذ يقول عاملون في قسم غسيل الكلى، الذي يستقبل يومياً 70 مريضاً، إنّه لا يتمّ تزويدهم بالمعدّات اللازمة للمرضى إلا بعد أن يكونوا قد شارفوا تقريباً على إقفال القسم لنفاد المواد الطبيّة. وهم يؤكّدون أنّه نفدت لديهم الآن إبرة «إيبوتن» التي تحافظ على قوّة الدم، والتي يفترض أن تعطى للمريض قبل عملية الغسل. لكنهم يقومون بالغسل الآن من دونها، ويعمدون بعد العمليّة إلى إعطاء المريض وحدات من الدم لحلّ الأزمة! كما أنّ المستشفى مدين بأموال طائلة للشركة التي تزوّده بالمعدّات الطبيّة للقسم، حتى هدّدت الشركة بوقف إمداده بالمعدّات مجاناً. وليس هذا إلا مثالاً عمّا تعانيه أقسام المستشفى كلّها. فهل هكذا يحلّ السياسيون أزمة المستشفى الحكومي؟ رواتب الموظّفين أو حياة المرضى!