اتخذ الجميع مواقعهم بانتظار وصول محامي الشركة لكي يدافع عنها في قضية صرف تعسفي. وعد مديرها بأنه سيحضر بين لحظة وأخرى. بعد انتظار قارب نصف ساعة، فُتح باب الغرفة. دخل شخص على نحو مفاجئ. لم يُحيّ إلا موكله. سأله المفتش المدون عمّا إذا كان هو المحامي، أجاب تأكيداً. طلب منه التوكيل الخاص، غير أنّه لم يُبرز أي وثيقة تُثبت صدقيته، وردّ بنبرة عالية بأن الأوراق ليست معه. حاول المفتش تطرية الوضع: «يُمكن أن نحلّ المسألة بتعهّدك إبراز وكالتك في الجلسة المقبلة». حينها جنّ جنون المحامي المفترض. شتم جميع الموجودين. جزم بأن الشركة الموكّلة «لا تأكل حقوق موظفيها». حدث ذلك أمس في حرم وزارة العمل وفقاً لرواية رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله. الشركة هي «Civil Security» المختصة بخدمة الأمن الخاص للمؤسسات والشركات والمرافق السياحية وتنشط تحديداً في منطقة عاليه. العمّال الذين طردتهم كانوا يعملون لديها في مشروع المشرف.
قبل شهر تقريباً قرّر العميد المتقاعد الذي يدير تلك «البلدة النموذجية» فصلهم. «لجأوا إلينا لكي نتابع قضيتهم»، يوضح النقابي. قُدِّمت شكوى لدى وزارة العمل نفسها، غير أنها لم تستجب. وبالتالي قدّمت شكوى لدى مجلس العمل التحكيمي لحفظ حقّ العمال.
ولكن آخر ما كان يتوقعه الحاضرون هو أن يبدأ المحامي المزعوم «بتوجيه كلمات نابية بطريقة غير لائقة إلى الوسيط في الشكوى بين الاتحاد الوطني وعمال الشركة المصروفين تعسفاً، المفتش ماهر الغول»، وفقاً لبيان أصدره كاسترو عبد الله أمس. «بعدما طلب منه الغول وكالته؛ لأنه لم يعرف عن نفسه؛ لضمها إلى المحضر، بادر إلى التهجم عليه وتوجيه السباب والشتائم بكلمات نابية بحقه وبحق وزارة العمل، محدثاً تخريباً بالمكتب».
الجلسة التي عقدت أمس هي الثانية بعدما كان مدير الشركة قد وعد الأسبوع الماضي بإحضار الملفات التي يطلبها المفتشون من جداول الحضور والرواتب وبدلات النقل، وكل ما يُمكن أن يوضح مسؤولية الشركة واحترامها لحقوق عمالها.
هذه الحادثة هي جزء من البلطجة الفعلية التي تُمارس بحقّ مؤسسات الدولة والعمال في هذه البلاد عندما يرفعون رأسهم للمطالبة بحقوقهم.
فلنفترض في أسوأ الأحوال أن ما يطالب به هؤلاء العمّال ليس محقاً، أهكذا يكون التعاطي في حرم وزارة وفي قضية تحكيم يوجد فيها جميع الأطراف لتقديم حججهم؟
مع امتناع عناصر الأمن في الوزارة عن ردع المحامي المزعوم، بدا أن الإيجابية الوحيدة في جلسة الأمس، للمفارقة، كانت اعتذار مدير الشركة عن تصرفات محاميه. الغريب أنه عندما سُئل عن اسمه أجاب: «لا أعرف»!
«ما حدث هو إهانة لجميع الموجودين من عمال ونقابيين وموظفي الوزارة ومفتشين»، يقول كاسترو عبد الله. ويُشير إلى أنّه ستُنظَّم وقفة احتجاجية أمام وزارة العمل للاحتجاج على التصرف الذي حدث.
ينتظر العمال وموظفو الوزارة إذا كان الوزير سليم جريصاتي سيردّ كرامتهم. «إذا تحوّل التعاطي في وزارة العمل إلى ممارسة البلطجة، فإلى من نلجأ مستقبلاً في قضايا الحقوق العمالية؟»، يسأل كاسترو عبد الله.
لكن يبدو أن لدى الشركة مخالفات أكبر من طردها للموظفين. فمديرها، توضح المعلومات، هو موظف حالياً في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهذه الازدواجية هي غير قانونية. كذلك إنّ العديد من موظفيها مكتومون – أي غير مصرح عنهم – ولا يحصلون على كامل حقوقهم، يوضح كاسترو عبد الله.
وفي البيان الذي صدر بعد الحادثة، عدّ عبد الله هذه التصرفات «تعدياً على الحريات العامة والنقابية»، ووضع ما حصل «برسم وزير العمل سليم جريصاتي وبرسم نقابة المحامين». قال: «نضعهما أمام مسؤولياتهما لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق منتحل صفة». كذلك طالب «باتخاذ الإجراءات القانونية بحق شركة سيفيل سيكورتي، والادعاء أمام النيابة العامة؛ لكونها مخالفة للقوانين وكونها تستخدم البلطجة والبطجية على الموظفين الرسميين أثناء الدوام الرسمي».
وأكد النقابي أن «عدم التحرك والمبادرة لمعالجة الموضوع واتخاذ الإجراءات اللازمة والمناسبة سيستفحل ويشجع أكثر على الاستباحة والفلتان بعدما وصلت الأمور إلى مكاتب وزارة العمل».
ولا يزال لبنان بعيداً جداً عن حماية حقوق العمال والموظفين. أكثر من 40% من العمال في هذا الاقتصاد هم مكتومون، لا يُصرّح عنهم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ولا يحصلون على بدل نقل وعلى الكثير من حقوقهم. وحتّى عندما خطت البلاد باتجاه تحسين مؤشراتها في هذا المجال، تحت ضغط القوى النقابية الحقيقية ومنظمة العمل الدولية، أقرّت اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87، التي تمنح العمال حق التنظيم النقابي، على نحو مشوه.
(الأخبار)