استحقاقات كثيرة تنتظر لبنان، أعيد التذكير بها أمس لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب. وكما جرت العادة في البلد الذي يعتاش على المساعدات الدولية، ويقرأ تاريخه من برقيات السفارات الاجنبية، فإن سفارة «الأم الحنون» فرنسا كانت صاحبة الدعوة إلى حلقة نقاش حول ضحايا التعذيب في لبنان. في المقابل قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير نشرته للمناسبة، إن قوى الأمن الداخلي تهدد متعاطي المخدرات والعاملات في مجال الجنس والمثليات والمثليين والثنائيات والثنائيين ومتحولي الجنس، وتسيء معاملتهم وهم بعهدتها.
وعادة ما تصدر هذه المنظمة تقارير عن التعذيب في لبنان الذي يمارس من قبل جهاز المخابرات في الجيش، وفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، لكنها اختارت هذا العام ان تخصص تقريرها للحديث عن الانتهاكات التي تمارسها شرطة الآداب، ومكتب مكافحة المخدرات التابعان للشرطة القضائية، عدا الانتهاكات الواسعة التي تمارسها مخافر الدرك في مختلف المناطق اللبنانية اثناء الاستجواب الاولي للمتهمين.
ولعل التوصية الأهم في تقرير المنظمة هي التي وجهت الى فرنسا وغيرها من الجهات المانحة مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، الذين انفقوا مبالغ كبيرة من المساعدات في تجهيز وتدريب قوى الأمن الداخلي. وطالبت «هيومن رايتس ووتش» بأن تضمن هذه الدول توجيه مساعداتها لتطوير آليات الإشراف الداخلي والمحاسبة، بما في ذلك إنشاء هيئة مستقلة للتحقيق في مزاعم التعذيب وإساءة المعاملة. وعليها الامتناع عن تمويل الوحدات التي يثبت ارتكابها لانتهاكات لحقوق الإنسان، وجعل استئناف تمويل مثل تلك الوحدات مرهوناً بتنفيذ إصلاحات تضمن إنهاء الانتهاكات والمحاسبة على المخالفات السابقة.
وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش «تحتاج الدول المانحة إلى زيادة التشديد على تطوير آليات الإشراف والمحاسبة على التعذيب والانتهاكات من قبل قوات الأمن، فسوف يجري الحكم على قوات الأمن اللبنانية في النهاية لا بجودة معداتها، وإنما بسلوك أفرادها».
ويستند التقرير المكون من 66 صفحة، بعنوان «جزء من عملنا: إساءة معاملة وتعذيب الفئات المستضعفة في مخافر الشرطة اللبنانية»، إلى أكثر من 50 مقابلة تم إجراؤها مع أشخاص اعتقلوا للاشتباه في تعاطيهم للمخدرات او مثليتهم أو العمل بمجال الجنس على مدار السنوات الخمس الماضية، وأفادوا بأن أفراد قوى الأمن الداخلي أخضعوهم للانتهاك والتعذيب وإساءة المعاملة.
وعلى الرغم من أن قانون العقوبات يحظر العنف البدني ضد المحتجزين، وينص على فرض عقوبات على المسؤولين الذين يثبت ارتكاﺑﻬم لهذا النوع من الأعمال، فإن هذا القانون لا يجرّم جميع أنواع التعذيب ولا ينص على عقوبات تتناسب مع خطورة الجريمة. ولقد تقدم النائب غسان مخيبر بمشروع قانون لتجريم التعذيب لا يزال يدرس في لجنة الادارة والعدل. لكن الاستحقاق التشريعي الاهم الذي ينتظر الاقرار في الهيئة العامة للمجلس، يتعلق بانشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الانسان، والتي تتضمن إنشاء «آلية وقائية وطنية» يفترض ان تكون مستقلة وان تشرف على مراقبة السجون، بهدف منع التعذيب وسوء المعاملة.
انضم لبنان إلى اتفاقية مناهضة التعذيب في العام ٢٠٠٠ ، وتلزم هذه الاتفاقية المؤسسات الحكومية باحترام حقوق الإنسان ومنع استعمال القوة المفرطة عند ممارستها لعملها. كذلك انضم لبنان إلى البروتوكول الاختياري لهذه الاتفاقية عام ٢٠٠٨. وكان يفترض ان ينشئ لبنان آلية وقائية وطنية بعد عام على توقيعه على البروتوكول الاختياري، لكن ذلك لم يتم رغم مرور خمس سنوات على المصادقة. إلا ان التقاعس الاكبر عن الالتزام ببنود الاتفاقية، هو الزامية تقديم تقرير حكومي حول تطبيقها، وهو أمر لم يحصل رغم مرور 13 عاماً على الانضمام.
وزير العدل شكيب قرطباوي قال في اتصال مع «الأخبار» ان فريق عمله انجز المسودة النهائية لتقرير لبنان الاول حول اتفاقية مناهضة التعذيب، وسوف يوزع على المعنيين في منتصف شهر تموز المقبل، وذلك بعدما تعهدت وزارة العدل بلعب دور المنسق بين مختلف الوزارات المعنية بتقديم معلومات حول تطبيق الاتفاقية. ولفت قرطباوي الى ان «النسخة الاولية من التقرير التي اعدت قبل ثلاثة اعوام، كانت غير واقعية ولا تعكس حقيقة ما يجري». وأبدى قرطباوي تفاؤله بنتائج الزيارة التي قامت بها «لجنة مكافحة التعذيب التابعة للأمم المتحدة»، في شهر نيسان الماضي. ولفت الى ان اعضاء اللجنة غادروا بانطباع ايجابي. ويشارك المقدم زياد قائد بيه رئيس قسم حقوق الإنسان في قوى الأمن الداخلي، وجهة نظر قرطباوي، لجهة النتائج الايجابية لزيارة لجنة الامم المتحدة.
وتنص اتفاقية الأم المتحدة لمناهضة التعذيب على ان تبقى تقارير الزيارات الميدانية الى البلدان الاعضاء سرية. ويلفت قائد بيه الى ان الاتفاقية تؤكد انه لا يجوز التحجج بالظروف المرتبطة بالاستقرار السياسي والامني، وهذا ما يجعل لبنان امام استحقاق دائم في تعزيز ثقافة حقوق الانسان داخل سلك الشرطة. في المقابل يشدد قائد بيه على ضرورة «ضمان حقوق الشرطة لجهة الرواتب والحوافز، وضمان عدم تعرضهم للتهديد، وسجن رومية خير دليل على ذلك».
وتقول هيومن رايتس ووتش إن القضاء تجاهل بانتظام الشكاوى الواردة بحق رجال الشرطة. في 3 حالات فقط أمر قاضي التحقيق بفتح تحقيقات في مزاعم انتزاع اعترافات بالإكراه. وقال 5 محتجزين سابقين إن قضاة التحقيق أسقطوا مزاعمهم بالتعرض لإساءة المعاملة والترهيب والانتهاك بالكامل.
في المقابل يلفت قرطباوي الى ان هناك عدة احكام صدرت بحق عسكريين على خلفية شكاوى عن سوء المعاملة والتعذيب، بينها حكم بحق ضابط برتبة عميد عوقب بالسجن لخمس سنوات.
من أصل 25 سيدة أجريت تحقيقات معهن وتم اعتقالهن للاشتباه في تعاطي المخدرات أو العمل بمجال الجنس، قالت 21 منهن لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة أخضعتهن للعنف أو الإكراه الجنسي، المتراوح بين الاغتصاب وحتى تقديم «الترضيات» ــ السجائر أو الطعام أو تحسين الظروف في زنازينهن أو حتى تحرير محضر شرطة أكثر تساهلاً في مقابل الجنس.
وتوصي هيومن رايتس ووتش بإنه يتعين على لبنان ضمان محاسبة قوى الأمن الداخلي على الانتهاكات عن طريق آلية فعالة وفي المتناول للشكاوى. وعليه مراجعة قانون الإجراءات الجنائية لتحسين صيانة حقوق المحتجزين.
للاطلاع على تقرير «هيومن رايتس ووتش»
http://goo.gl/T7sfu