لولا تجدد الاشتباكات في عبرا أمس الأحد، لأمكن الحديث عن سحر الامتحانات الرسمية في تهدئة النفوس المضطربة؛ فعودة التوتر «طيّرت» امتحانات علوم الحياة واللغة العربية التي كان مقرراً أن يمتحن بها طلاب الشهادة المتوسطة اليوم في صيدا. المرشحون الذين ينتظرون تحديد يوم بديل يستأنفون استحقاقهم الثلاثاء لتبدأ امتحانات الثانوية العامة يوم الخميس. 63 ألف طالب تقدموا لامتحانات الشهادة المتوسطة (البروفيه) في كل لبنان، بمن فيهم أولاد أصحاب القرار السياسي والأمني في البلد والعابثين فيه.

المتفائلون توسموا خيراً في أن تصلح التربية ما أفسدته السياسة «والبلد اللي بيعمل امتحانات بيعمل انتخابات؟!». أما الواقعيون، فتمنوا لو أن «فترة السماح» تنسحب بالحد الأدنى على أيام التصحيح، بتوفير طرقات آمنة للمعلمين الذين سينتقلون من كل المناطق إلى بيروت حيث مركز تصحيح المسابقات وإصدار النتائج.
هنا في بيروت، وحدها رهبة الامتحان شغلت بال المرشحين الصغار. التوتر طبيعي في التجربة «الرسمية» الأولى لهم. الهم الأمني لم يتصدر تفكير الكثيرين، بل إنّ إحدى الممتحَنات علّقت: «آخر همنا المهم ننجح، شو كرمال بعض المخربين بدنا نتخبى ببيوتنا وما ندرس، شو هني حينجحونا؟». وإذا كان بعض تلامذة المدارس الرسمية قد شكوا من «سلق» الدروس نتيجة إضراب هيئة التنسيق النقابية، فإنّ مرشحين من مدارس خاصة قالوا: «درسنا كثيراً وبرشنا الكتب وزهقنا تحضير ومراجعات».
أمام مركز ثانوية عمر فروخ الرسمية، تتلقى إحدى التلميذات «تعليمات» والدتها في اللحظات القليلة التي سبقت دخولها القاعة «انتبهي، ما تتلبكي، ما تخافي، ما تتركي سؤال فاضي، طلعي بطاقاتك، حطي براسك إنو الامتحان الرسمي أسهل من امتحان المدرسة».
ربما لم يحظ التلامذة السوريون الهاربون من الموت في بلادهم بمثل هذه الطمأنات من أهاليهم، وقد نالوا قبل يوم واحد فقط من الامتحان أي في 21 حزيران موافقة استثنائية من رئاسة مجلس الوزراء للسماح لهم بالتقدم للشهادتين المتوسطة والثانوية بفروعها الأربعة (بمن فيهم من يفتقر إلى الوثائق المصدّقة من سوريا)، على أن تعلّق نتائج هؤلاء إلى حين ضم المستندات الرسمية المطلوبة، ثم يعرض الموضوع لاحقاً على مجلس الوزراء على سبيل التسوية.
وكانت وزارة التربية قد بدأت بمتابعة الملف منذ بداية شهر آذار الماضي بعد تلقيها كتاباً من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن مشاركة الطلاب السوريين في الامتحانات الرسمية. وفيما تقدّر الوزارة أن يكون عدد المنضمين إلى صفوف الشهادتين نحو 300 طالب، اتصلت المفوضية بـ187 طالباً في البروفيه والثانوية العامة، من بينهم 45 فقط ليسوا مؤهلين للخضوع للامتحانات بسبب افتقارهم إلى الوثائق. وطلبت المفوضية من رئيس مجلس الوزراء اعتماد تدابير استثنائية لحصول الطلاب على شهاداتهم لدى تقديمهم المستندات المصدقة. وفي الأسباب الموجبة شرحت المفوضية كيف أنّ «الطلاب تأثروا بنحو بالغ بالعنف وعدم خضوعهم للامتحانات، ما يشكل عائقاً إضافياً أمام فرصهم لمستقبل مستدام». يذكر أنّ الموافقة الاستثنائية ستسمح لمن لم يستطع التقدم للدورة أن يشارك في الدورة الثانية للامتحانات. كذلك فهي تشمل أيضاً التلامذة اللبنانيين الذين كانوا يتابعون الدراسة في سوريا ولم يستكملوا ضم المستندات المطلوبة بمعادلة صفوفهم.
إلى ذلك انتظر أعضاء غرفة الشكاوى في وزارة التربية ملاحظات استثنائية على الامتحانات في ظروف استثنائية. لكن ما وصل الغرفة التي تضم ممثلين عن روابط التعليم الرسمي ونقابة المعلمين لا يتعدى الأمور التنظيمية المتصلة بتأخر بعض المدارس الخاصة في تسليم الوزارة لوائح مرشحيها أو تتصل ببطاقات الترشيح أو اعتراض بعض الأهالي على تشدد المراقبين وسواها من التعليقات الروتينية. الأمر الأهم كان نسبة الغياب الضئيلة، إذ لم تتجاوز 3.6 % في كل لبنان.
أما الشكاوى من بعض أسئلة الرياضيات، فطبيعية بالنسبة إلى المعلمين؛ «لأنّ 50% من الأسئلة فقط مباشرة وتتطلب تحضيراً، فيما تعتمد الـ50% الأخرى على منطق الطالب وقدرته على التحليل، وهناك نحو 5 علامات للأذكياء».
مسابقة الجغرافيا لم تلق اعتراضاً من الممتحنين، وإن بدا لافتاً أن يتقاطع مضمون الأسئلة مع الواقع المعيش وأن يحلل التلامذة مستندات من الصحف.
وزير التربية حسان دياب تفقد معظم قاعات مركزي ثانوية عمر فروخ – جسر الكولا ومدرسة الطريق الجديدة الثانية للبنات في قصقص.
وأكد دياب أنه يتابع الوضع في الشمال وعكار والبقاع والهرمل والجنوب وصيدا لحظة بلحظة لتقديم بيئة حاضنة للتلاميذ، كاشفاً أنّ النتائج ستعلن بين 25 و 30 تموز المقبل.
ونفى في وقت لاحق ما نشره أحد المواقع الإلكترونية لجهة عدم التشدد في مراقبة الاستحقاق وعدم التدقيق في البيانات الشخصية للطلاب. وقال إنّ «الخبر عارٍ من الصحة ومحض شائعات، لافتاً إلى أنّ التعليمات المعطاة للجان الفاحصة عبر رئيسها المدير العام للتربية واضحة لجهة إجراء المراقبة الدقيقة، حرصاً على مستوى الشهادة الرسمية، والتدقيق في بيانات المرشحين حرصاً على سلامة الامتحانات وعدم انتحال الصفة».
ودعا الوزير المواطنين والمرشحين إلى عدم الأخذ بالشائعات التي تهدف إلى النيل من الشهادة اللبنانية، مشيراً إلى أن الأخبار المتعلقة بالوزارة تصدر عنها رسمياً وتُعمَّم على وسائل الإعلام عبر المكتب الإعلامي.
وللمرة الأولى، وجّهت وزارة التربية والتعليم العالي رسائل نصيّة على الهواتف الخلوية، حذّرت فيها الطلاب المرشّحين إلى الامتحانات الرسمية من إدخال أي جهاز خلوي أو إلكتروني أو أي وسيلة غش إلى قاعة الامتحانات، تحت طائلة منعه من متابعة الامتحان والإقصاء.



مرشحو الاحتياجات الخاصة

بدأ تلميذ في الشهادة المتوسطة امتحاناته الرسمية في سجن رومية وقدم آخر استحقاقه في مستشفى الحايك. أما طلاب الاحتياجات الخاصة فامتحنوا في «مركز عبد الله العلايلي في الطريق الجديدة»، وبلغ عددهم 33 في الشهادة المتوسّطة (إعاقة سمعية وبصرية، شلل، ضمور عضلي، واضطراب بصري حركي)، و34 طالباً في الثانوية العامة في مختلف الفروع (إعاقة، نظر، وشلل، واضطراب صبغي)، فيما بلغ عدد طلاب مرضى السرطان في مركز سان جود 10 طلاب في المتوسّطة و5 في الثانوية العامة. وخُصصت مراكز في المحافظات لذوي الصعوبات التعلمية، وهم موزعون كالآتي: 55 للشهادة المتوسطة (44 في جبل لبنان، 3 في بيروت، واحد في الشمال، وثلاثة في البقاع، و4 في النبطية)، و82 في الثانوية العامة كالآتي: «47 في جبل لبنان، 4 في البقاع، 25 في بيروت، اثنان في النبطية، و4 في الجنوب».