وحده التوتر كان يختلج في تلك الصدور الصغيرة. لم تكن لرهبة امتحانات «البروفيه» سوى حصة بسيطة. بان القلق في عيون الممتحنين والأهل والأساتذة والقوى الأمنية، وحتى بائع «الإكسبرس» المرابض منذ الصباح الباكر أمام أحد المراكز. هنا في البقاع الشمالي، فرضت سخونة الوضع الأمني نفسها على الجميع.

في عرسال واللبوة سيطرت تداعيات جريمة «وادي رافق»، وفي الهرمل ساد هاجس سقوط الصواريخ في أية لحظة.
في العادة، كان طلاب عرسال يُمتحنون في مركزي اللبوة والعين، لكن بعد جريمة الوادي، اختلف الأمر، فألغت وزارة التربية المركزين، واستحدثت مراكز في ثانويتي رأس بعلبك، وفي الفاكهة (الجديدة ـ الزيتون). ما يناهز 200 طالب من عرسال شاركوا في امتحانات الشهادة المتوسطة، بعدما نقلوا من بلدتهم إلى رأس بعلبك بواسطة باصات، وبمواكبة أمنية مشددة. حرصت أكثر من عشرين آلية عسكرية تابعة للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي والقوى السيّارة (الفهود)، وإلى جانبهم رئيس بلدية اللبوة رامز أمهز، على نقل الطلاب إلى مركز الامتحانات، ورافقتهم في رحلة العودة.
لا ينكر طالب البروفيه علي الفليطي الخوف الذي تملكه منذ خروجه من المنزل، «بكون عم إكذب عليك إذا قلتلك إني مش موتر، حتى إني مش قادر راجع مادة الجغرافيا»، يقول، وقد جلس إلى جانب زملائه في الباص. تشاركه الطالبة فطوم الحجيري في الرأي، فتؤكد أنها «ارتبكت لمرافقة السيارات الأمنية لنا، ونظرات الناس إلينا في أثناء انتقالنا باتجاه مركز الامتحانات».
تشخص عيون الطلاب العراسلة من نوافذ الباصات إلى كل من يرمقهم على الطريق التي يعرفونها جيداً، ولكنهم «منذ حصول الجريمة ما عدنا نزلنا»، يقول أحدهم. الطلاب توزعوا على المراكز، وفي كل محطة كان رئيس بلدية اللبوة يشرف على دخولهم إلى حرم تلك المراكز، موضحاً أن الهدف من كل ذلك منع أي اعتداء على الطلاب من فتية هنا أو هناك، أو حتى طابور خامس في إذكاء نار الفتنة، و«بغض النظر هودي أولادنا أيضاً، ورح نبقى على هيدي الحال حتى انتهاء كل مراحل الامتحانات».
اللافت أن الطلاب العراسلة حضروا بمفردهم إلى الامتحانات من دون ذويهم. المشهد اختلف في مراكز المنطقة حيث تجمع الأهل عند مدخل كل مركز، «لتقديم الدعم لأولادهم ورفع معنوياتهم». استظل حسين كرنبي إحدى الأشجار أمام مركز امتحانات ثانوية رأس بعلبك. بدا هادئاً. قال إنّ أحداً لم يتعرّض له في طريقه إلى هنا، لا في اللبوة ولا في غيرها.
لكن المراكز المستحدثة في رأس بعلبك والفاكهة والجديدة، لم تقتصر على العراسلة وحدهم، بل احتضنت أيضاً طلاب الشهادة المتوسطة من أبناء الهرمل. فالخوف من استهداف القضاء بصليات من صواريخ «غراد»، شكل هاجساً لدى الطلاب والأهل معاً، كما يؤكد مدير متوسطة القصر أكرم زعيتر الذي رأى أن الوضع الأمني الذي تعيشه منطقة البقاع الشمالي منذ أشهر أرخى بثقله على الامتحانات. وكشف عن عدم مشاركة عدد من طلاب الشهادة المتوسطة من بعض العائلات «الهرملية» بالنظر إلى عدم رغبة أهاليهم في إرسالهم إلى مراكز الامتحانات، لاعتبارات عائلية مرتبطة بالوضع القائم في المنطقة. لكن الطالبة غنوة جعفر توضح أن التعطيل القسري الذي استمر ثلاثة أشهر، «دفع البعض إلى التفكير بإمكان إلغاء الامتحانات، في ظل الأوضاع الأمنية الأخيرة غير المطمئنة والمتوترة أصلاً التي أرهقتنا فعلاً، لا قولاً». أما محمد ناصر الدين فيلفت إلى أن غموضاً لف أسئلة الرياضيات، مبدياً تخوفه من مادتي الفيزياء والكيمياء.
أما في مدينة بعلبك وسائر القرى والبلدات البقاعية، فقد سادت الامتحانات أجواء طبيعية، وسط تباين بين الطلاب الممتحنين لجهة مسابقة الرياضيات، التي رأى بعضهم أنها تحتاج إلى وقت لإنجازها، في حين أنّ بعضهم الآخر أكد سهولتها للطالب المستعد. أما بالنسبة إلى الجغرافيا فكان هناك إجماع على سهولتها.