رغم مضي قرابة ثلاثة أعوام على فتح ملفّ حسابات الدولة اللبنانية منذ عام 1993 والتوصّل إلى براهين علمية على وجود احتمالات الغش والاحتيال، لا تزال القضية رهينة التوازنات السياسية. أخيراً، أصدرت وزارة المال كتاباً بعنوان «مشاريع وإنجازات: حزيران 2011 – آذار 2013» للإضاءة على بعض من الملفات الشائكة. في مقدّمة الكتاب، كلمة للوزير محمد الصفدي، نقلت تفاصيلها أمس وكالة الأنباء المركزية – مع العلم أن الوزارة لم تعمد إلى توزيع نسخ على المؤسسات الإعلامية على الرغم من إنجازه قبل شهر. يُشدّد الصفدي في كلمته على أنّه عندما تسلم الوزارة في حزيران 2011، «كانت مسألة التصحيح والتدقيق في حسابات المالية العامة هي الموضوع الأكثر جدلاً بين السياسيين، حتى صار رقم الـ11 ملياراً أكثر شهرة من 11 أيلول».
هذا المبلغ، وهو بالدولار، هو قيمة الإنفاق «غير القانوني» الذي أوضحت الدراسات المختلفة التي أجريت في هذا المجال، أنّه قد يتضمن ممارسات فساد.
يقول الصفدي إنّ «المالية العامة للدولة اللبنانية كانت تدار من دون قوننة الإنفاق، لأنّ آخر قانون للموازنة العامة هو الذي صدر في عام 2005، وسارت الأمور على هذه الحال من دون أي تشريع أو رقابة من مجلس النواب».
يُشير الوزير إلى التزامن بين الصعوبات المحلية في إدارة البلاد، في ظلّ الانقسام السياسي الحاد، وبين اندلاع الأزمة في سوريا التي أثّرت عليه. ما جعلت من لبنان «دولة مشرّعة على المخاطر». ومن بين المهمات الثلاث التي حدّدها «إعادة تكوين حسابات المالية العامة منذ عام 1993 ووضع آليات الإنفاق وضوابطه».
ففي موازاة الإجراءات الإدارية «تم منذ اليوم الأول ضبط مركز المعلوماتية منعاً لأي استغلال للثغرات الموجودة فيه». وهنا يُذكّر الكتاب بأنّ تقارير الخبراء في البنك الدولي كما في شركة «Oracle»، أثبتت أنّ «إمكان الدخول إلى الحسابات قائم والتلاعب في الأرقام ممكن»، وبالتالي «جرى التشدد في ضبط الدخول إلى المركز لمنع أي إمكانية للتدخل فيه من الخارج في انتظار مشروع تحديث الأنظمة الإلكترونية»، ومن بينها النظام الخاص بالرواتب والأجور ومعاشات التقاعد، الذي يصبح نافذاً بعد ثلاثة أشهر في حدّ أقصى.
وأعدّت الوزارة، وفقاً للكتاب، مشروع قانون يحدّد بالأرقام الإنفاق العام المطلوب بما بقي من عام 2011، وأُرسل إلى مجلس الوزراء «وعُرف بمشروع 8900 مليار ليرة». غير أنّ «الأخذ والرد في مجلس الوزراء كما في لجنة المال والموازنة أطاح المشروع فانتهى العام من دون صدوره».
يشرح الوزير عن تفاصيل مشروع الـ8900 مليار ليرة والمشاكل التي لحقت تبنيه. ويصل إلى خلاصة مفادها أنّه أراد «أن تصدر موازنة عام 2012 متضمّنة بوضوح إجراءات إصلاحية ومشاريع استثمارية». يقول إنّه جرى تعديل مشروع الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2012 من قبل مجلس الوزراء «وقمنا بإدخال التعديلات المقررة وفق المطلوب، وتمت إحالة المشروع المذكور إلى لجنة المال والموازنة لكن التجاذب السياسي أدى مرة جديدة إلى إجهاض المشروع الذي لا يزال عالقاً أمام لجنة المال والموازنة».
يُتابع الوزير أنّه «كما في مشروع قانون موازنة عام 2012 كذلك في مشروع قانون موازنة عام 2013 الذي أفرغته التجاذبات والمصالح السياسية من مضمونه الإصلاحي فوقع أسير المزايدات وتم استرداده لتعديله في ضوء التطورات والمتغيّرات الحاصلة وأعادت وزارة المال إرساله إلى مجلس الوزراء في انتظار قرار تحويله إلى مجلس النواب».
وتتطرق كلمة الصفدي أيضاً إلى خفض كلفة الدين العام والإجراءات التقنية لإصدارات سندات الخزينة بالليرة وبالعملات الأجنبية (Eurobond).
ولكن تبقى العقدة مخفية حول الهدف الأهمّ «إعادة تكوين الحسابات المالية العامة من 1993 حتى 2010 ووضع آليات الإنفاق وضوابطه». هنا يقول الصفدي إنّه «تمّ تعزيز الفريق المكلّف» لإجراء هذه العملية. وبانتظار الحصول على نسخة من الكتاب لمعرفة تفاصيل إضافية، وانتهاء عمل هذا الفريق، ستبقى هذه العقدة قائمة!
(الأخبار)