عمشيت | هي عمشيت وهو مجبل للباطون. هو بحر، وهي مكعبات ضخمة من الباطون، وهم أهل البلدة ومرتادوها يبحثون عن البحر... من خلف الباطون. المجبل صامد، لكنّه توقّف عن العمل بعد أن علت الاعتراضات ضدّه، المكعّبات أيضاً صامدة، والمعترضون صامدون... لأنّ البحر لهم. تقوم بلديّة عمشيت بتحويل كورنيش العماد ميشال سليمان الى منطقة سياحيّة، وتُعدّ لإقامة سمبوزيوم للنحت والرسم، هذا الصيف، فضلاً عن نشاطات رياضيّة وثقافيّة وفنيّة. وفي المكان تعلو مئات المكعّبات الضخمة من الباطون التي ستسخدم في مشروع تأهيل السنسول البحريّ لعمشيت، وهو مشروع تنجزه وزارة الأشغال العامّة والنقل.
وعلى شاكلة جميع المشاريع التي تجيزها وزارة الاشغال على الشاطئ اللبناني، من كفرعبيدا الى نهر الكلب، لم يخضع مشروع المرفأ البحري في عمشيت لدراسة الأثر البيئي الملزمة. وليزيد الطين بلة، على بعد أمتار من مشروع ردم البحر، يقوم مجبل لإنتاج الباطون لاستخدامه في تأهيل المرفأ، فيذهب مباشرة من «المنتج الى المستهلك»، توفيراً للكلفة التي يتكبّدها المتعهّد في حال اشترى الباطون من الخارج. أمّا المدّة التي يحتاج إليها إنجاز السنسول فهي سنتان ونصف السنة فقط لا غير!
حجة أن مجبل الباطون مؤقت لا تقنع الناشطة البيئيّة الدكتورة فيفي كلّاب التي أوضحت لـ«الأخبار» أنّ النفط الذي تسرّب الى بحرنا في حرب تمّوز عام 2006 كان مؤقّتاً إلا أنّ أثره لم يكن كذلك، والأمر عينه يحصل بالنسبة الى المجبل.
تشرح كلّاب أنّ المجبل بحاجة يوميّاً الى غسل أحواضه، وإلا يلتصق فيها الباطون، وكلّ ما ينتج عن ذلك من كلس ورمل يذهب الى الصخور مباشرة، ومنها الى البحر، وهنا تكمن الخطورة. فالتلوّث الناتج من المجبل يصحّر الشاطئ ويؤثّر على التنوّع البيولوجي وعلى الكائنات الحيّة في البحر، وأغناها يكون على الشاطئ.
تجزم كلاب بأنّ المجبل لم تنجز له دراسة الأثر البيئيّ، والتلوّث الناتج منه يقضي على الطحالب وعلى الاسماك الصغيرة التي تتغذّى بها الأسماك الأكبر منها. كذلك فإنّ شاطئ عمشيت مشهور بالتوتياء التي تعيش على صخوره، وهي مهددّة بالانقراض جرّاء التلوّث بالباطون الى «أبد الآبدين»، كما أنّ التلوّث ينتج من الشاحنات التي تنقل الأحجار والمازوت الذي تستخدمه ومن انتشار الغبار.
ومن المعروف أنّ الكورنيش البحريّ يعتبر متنفّساً لأبناء عمشيت وجوارها، يرتادونه بالمئات لممارسة رياضة المشي والدرّاجات الهوائيّة، فضلاً عن التنزّه والصيد البحريّ. وهو الشاطئ الذي يخوّل زائريه المشي بالقرب من البحر وسماع صوته.
وتضيف كلّاب «الكورنيش الذي يحمل اسم العماد ميشال سليمان، ابن البلدة ورئيس الجمهوريّة، لا يشوّه بهذه الطريقة. الحلّ يكون بنقل المجبل من مكانه الى منطقة صناعيّة أخرى بعيدة من الشاطئ». وتضيف «يخيّروننا بين تأهيل المرفأ والمجبل، ونحن نقول بدنا المرفأ وما بدنا المجبل!». وتسأل كلّاب «لماذا لم يحصل التوفير في المال إلا على أيام عمشيت؟ كيف تؤهل المرافئ الأخرى في مناطق لبنانيّة أخرى من دون أن تقام المجابل بالقرب منها؟ وتردف: «الكلفة البيئية والصحيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة علينا أكبر بكثير من كلفة الأسمنت وكلفة نقله».
وكان وزير البيئة ناظم الخوري أصدر، أول من أمس، بياناً أكّد فيه «أنّ وزارة البيئة لم تمنح أي ترخيص لإنشاء هذا المجبل، لا بل إن الوزارة أبدت رأيها القانوني في هذا الموضوع لدى عرضه عليها، جواباً على كتاب المدير العام للنقل البري والبحري. وقد بعث وزير البيئة بكتاب الى وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي، أكد فيه «أن مجابل الباطون تقع ضمن لائحة المؤسسات الصناعية التي تخضع لأحكام مرسوم تحديد أصول وإجراءات وشروط الترخيص بإنشاء المؤسسات الصناعية واستثمارها، لناحية إصدار وزير الصناعة قراره النهائي بالموافقة على طلب الترخيص أو رفضه». وأكد «أن مشاريع إنشاء المرافئ تخضع لأحكام مرسوم تقييم الأثر البيئي لناحية ورودها ضمن لائحة المشاريع التي تستلزم حكماً تقرير تقييم الأثر البيئي، كما أن إنشاء واستثمار مجابل الباطون تخضع بدورها لأحكام المرسوم ذاته، لناحية ورودها ضمن لائحة المشاريع التي تستلزم حكماً تقرير فحص بيئي مبدئي».
تجدر الإشارة الى أن المجلس البلديّ في عمشيت تقدّم بكتب الى المديريّة العامّة للنقل اعترض بموجبها على قرار إنشاء المجبل في عمشيت، خصوصاً أنّ المنطقة سياحيّة.
إزاء هذا الوضع، تخلص كلّاب الى أن قضية المجبل بيئيّة ولا نريد تحويلها الى قضية سياسيّة بأيّ شكل». وتختم كلّاب إذا كان هناك من يطلب من الوزير العريضي أن يبقى المجبل في مكانه، فليتفضّل الوزير ويكشف لنا هويّته لنحاسبه، وإذا بقي المجبل في مكانه فلكلّ حادث حديث».