«لا يحتاج المدخن الى اعلانات لتشجيعه على الاستمرار في التدخين». تستخدم هذه الحجة على نحو مستمر لتبرير عدم تأثير اعلانات التدخين في الحد من انتشار هذه الآفة الصحية والاجتماعية. لكن شركات التبغ لا تنفق اموالها مجاناً، فإضافة الى دور الاعلانات في تعزيز المنافسة بين اصناف الدخان والابتكار الفريد في التصاميم وطريقة العرض، تؤدي اعلانات التبغ دوراً مهماً في توسيع نطاق التدخين مع تركيز خاص على النساء والشباب والأولاد، لجعلهم «مدخّنين بدلاء» للزبائن القدامى، الذين قضوا بسبب منتَجاتها القاتلة، الأمر الذي تنفيه هذه الشركات، لكنه ثبت من خلال الوثائق الداخلية المسربة.
منذ سريان مفعول قانون الحدّ من التدخين الذي فرض حظراً على إعلاناتها، استخدمت شركات الدخان في لبنان الاستراتيجيات نفسها التي طبقت في مختلف دول العالم، حيث يُعمل بقوانين وطنية مشابهة. ومن أبرز هذه الاستراتيجيات تحويل استثماراتها في السوق إلى الإعلانات غير المباشرة خارج وسائل الإعلام.
ويعد «قانون الحدّ من التدخين وتنظيم صنع وتغليف ودعاية منتجات التبغ»، الذي اقره البرلمان اللبناني في ايلول ٢٠١١ من القوانين المتقدمة. ولقد استعان برنامج الحد من التدخين في وزارة الصحة اثناء ورشة التعديلات على مسودة القانون، بالخبيرة البريطانية في السياسات المتعلقة بحظر التدخين، فيونا دلفري، وحسم النص المعدل أيّ امكانية لتهرب شركات الدخان من تطبيق القانون. ومن أهم هذه التعديلات تأكيد حظر أشكال الدعاية والرعاية كلها المتعلقة بمنتجات التبغ في جميع وسائل الإعلام والإعلان.
لكن النصوص تبقى حبراً على ورق اذا لم تعمل الضابطة العدلية على انفاذها، وتشتكي الجمعيات الناشطة في قضية حظر التدخين، وابرزها جمعية «حياة حرة بدون تدخين» ووحدة الابحاث في الجامعة الاميركية في بيروت، من ان الوزارات المعنية بتطبيق القانون غضت الطرف عن جملة من المخالفات، بحيث بات عدد من مواد القانون بحكم المعلقة! ويشمل هذا التعليق اضافة الى السماح بالتدخين داخل الاماكن المغلقة، عدم تحرير مخالفات بحق الخروق المتكررة للدعايات غير المباشرة للدخان. ابرز هذه الخروق، وضع لوحات ترمز الى منتج التبغ دون تسميته، تعرض الى جانبها علب الدخان بطريقة لافتة، فيكتمل المشهد امام المستهلك بطريقة تجعل اللوحة تؤدي الدور الاعلاني الترويجي، وان على نحو غير مباشر.
وفي خرق اكثر وضوحاً لحظر اعلانات التبغ، لا تزال السوق الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي «المكان الامثل» لشركات التبغ التي تستبيح جدران السوق بعدد كبير من اللوحات الاعلانية ومنصات العرض، بذريعة ان حرم السوق الحرة لا يطبق فيه قانون التدخين. وعلمت «الأخبار» أن هيئة القضايا والاستشارات في وزارة العدل اصدرت نصاً مؤيداً لهذا الخرق، الامر الذي يستدعي تقديم طعن امام مجلس شورى الدولة، الذي سبق أن اصدر قراراً فسر فيه بطريقة ايجابية تعريف الاماكن المغلقة والمفتوحة، رافضاً مطالبات شركات الاعلانات بان لا يشمل حظر اعلانات التبغ مراكز التسويق.
ويعاقب القانون بغرامة تراوح بين 10 ملايين إلى 30 مليون ليرة لبنانية، كل من ينشر إعلاناً أو مادة دعائية مجاناً أو لقاء أجر عن المنتجات التبغية، بما في ذلك المنتجات غير التبغية المشابهة (السيجارة الإلكترونية، والسيجارة بدون نيكوتين، واللبان وغيرها)، إضافة إلى حظر الترويج للمنتجات التبغية من طريق الإعانة أو خفض الأسعار أو الحق بالمشاركة في سحب اليانصيب لقاء شراء أي منتج تبغيّ أو مشتقاته.
استحقاق آخر ينتظر ان تكون ادارة حصر التبغ والتنباك قد استعدت له، يتمثل في سريان مفعول وضع النص التحذيري على جميع منتجات التبغ بدءاً من ٣ ايلول ٢٠١٣. وللاسف لم يشمل القانون الحالي بنداً إلزامياً يتعلق بوضع التحذيرات الصحية التصويرية على جميع مغلفات منتجات التبغ على الوجهتين الرئيسيتين من علب وعبوات منتجات التبغ، ليغطي ما لا يقل عن 40% من مساحة كل جهة، ورحّل ذلك إلى مرسوم يصدر بناءً على اقتراح وزيري الصحة والمال.
ويفترض ان تظهر على علب الدخان بدءاً من ايلول عبارة «التدخين يقتل» وغيرها من العبارات التحذيرية كبديل عن العبارة الحالية التي تحتاج الى ميكروسكوب لتقرأ وتتضمن العبارة الشهيرة «وزارة الصحة تحذر من مضار التدخين».
ولقد سعت ادارة الريجي الى التأخّر في إصدار المرسوم التنظيمي لوضح التحذير الصحي الالزامي على علب التدخين بذريعة اعطاء فرصة لتصريف المخزون. وأكد مصدر رفض الكشف عن اسمه لـ «الأخبار» أن الريجي بصدد طلب فترة سماح اضافية بضغط من شركات التبغ!
ويُظهر المسح العالمي لاستهلاك التبغ بين الشباب، الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في بلدان إقليم شرق المتوسط، أن مستويات التعرُّض للإعلان عن التبغ عبر اللوحات الإعلانية وفي الصحف والمجلات في منطقتنا هي مستوياتٌ مرتفعة؛ أي إن الإعلان والترويج عن هذا المنتج نشطٌ ومستمر، على الرغم من أنه محظورٌ تماماً طبقاً لاتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ التي وقَّعها لبنان.
وتركِّز المادة الرقم 13 من الاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، على الحظر الشامل على كافة أنشطة الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته، وهذا هو موضوع اليوم العالمي لمكافحة التبغ لهذا العام، الذي يقام تحت شعار: «إنهم يتلاعبون بك: لنعمل معاً لمنع الإعلان عن منتجات التبغ والترويج لها ورعايتها».
ويزداد تعاطي التبغ بسرعة في البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل، ويعود ذلك إلى استهداف تلك البلدان من قِبَل شركات صناعة التبغ. وبحلول عام 2030 سيقع 80% من مجمل الوفيات التي يتسبب بها التبغ في هذه البلدان التي ينتمي إليها إقليم شرق المتوسط. ويقتل الدخان ما يقرب من 6 ملايين إنسان كل عام، بينهم حوالى ٣٥٠٠ انسان في لبنان.
ويؤكِّد الدكتور علاء الدين العلوان، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط أن «الحظر الشامل على الإعلان يحدّ من استهلاك التبغ، ويحمي الأفراد الذين لم يبدأوا بعد بتعاطيه، والشباب منهم على وجه الخصوص، كما يساعد من يتعاطون التبغ على الإقلاع عن تعاطيه. أما الحظر الجزئي، فلا يجدي نفعاً، وثبت أن تأثيره في استهلاك التبغ ضئيل، أو أنه لا يؤثِّر أصلاً، إذْ يغلب على شركات التبغ أن تُحوِّل تسويق منتجاتها إلى طرق تتحايل فيها على القوانين».