حلب | وصل لهيب الأزمة السورية إلى حيّ الشيخ مقصود في حلب، الذي كان بعهدة حزب «الاتحاد الديمقراطي»، الواجهة السورية لحزب العمال الكردستاني، في تكرار لما حصل في شقيقه التوأم حيّ الأشرفية. مئات المسلحين اقتحموا الحيّ وأعدموا الشيخ حسن سيف الدين، إمام جامع الحسن، ومثّلوا بجثته، ليشهد الحيّ المنكوب موجة نزوح كبرى لمواطنين لم يكن هذا النزوح الأول لهم في السنة الأخيرة، في الوقت الذي تحاول فيه وحدة من الجيش السوري استرجاعه من قبضة المسلحين. المسلحون أقدموا على خطف العشرات من موظفي ومؤيدي السلطة، وقاموا بقتل بعضهم على الفور. واتهم مواطنون نازحون من الحيّ مسلحي «وحدات الحماية الشعبية» التابعين لحزب الاتحاد الديموقراطي بتسليم الحيّ للمسلحين بصفقة مماثلة لتسليم حيّ الأشرفية الذي تسكنه نسبة وازنة من الأكراد، وإفساح المجال لهم للتقدم من دون أيّ مقاومة. وكان المعارض ميشيل كيلو قد قام، أيضاً، بوساطة سابقاً بين حزب الاتحاد الديموقراطي وبين «جبهة النصرة» وحلفائها من جهة أخرى، بعد المواجهات في قرية رأس العين بمحافظة الحسكة منذ فترة.
وقال أحمد الماردللي، وهو متطوع في اللجان الشعبية، «نحن ندافع عن الحيّ بشكل حقيقي، وليس كما فعل مسلحو «البي كي كي»، الذين أتاحوا للمسلحين التقدّم نحو الحيّ مقابل مال وأسلحة وذخائر، وتأمين الطريق من حلب إلى عفرين».
من جهته، نفى مصدر مقرّب من القوات الكردية أن تكون «جرت صفقة بينهم وبين مسلحي الميليشيات»، مؤكداً أنّ قرارهم هو «النأي بالنفس عن الصراع»، لأنّه «لا يمكن الوقوف في وجه مئات المسلحين المدجّجين بكافة أنواع السلاح». وأكّد أن «حزب الاتحاد الديموقراطي هو عضو فاعل في الثورة السلمية ويرفض العنف»، متهماً قوى كردية أخرى بـ«تقديم المساعدة للمسلحين، ما جعل الأمر يختلط على الأهالي».
ويعتبر الحيّ ذا أهمية استراتيجية، لارتفاعه وموقعه المميز، حيث يطلّ على مساحة كبيرة من مدينة حلب، كما يطلّ بشكل مباشر على مركزين أمنيين. ويسود الاعتقاد بأنّ بقاءه في قبضة المسلحين سيكون مؤشراً على مرحلة جديدة من التصعيد وقضم الأحياء الأخرى.
لكن الجيش السوري تمكّن من الوصول إلى جامع الحسن جنوب شرق حيّ الشيخ مقصود، حيث كان يتمركز قناصة يستهدفون مناطق الجلاء وشارع الفيلات، والميدان، والتمركز في محيطه بعد صدّ هجوم عنيف على فرع المداهمة الذي يبعد أقل من 1 كلم عن الحيّ، في حين تدور معارك كرّ وفرّ في نواحٍ أخرى من الحيّ الذي أقام فيه المسلحون استحكامات مختلفة تدلّ على نيّتهم الاستماتة في المواجهة.
ويتميّز حيّ الشيخ مقصود بتنوع فريد في سكانه إثنياً ودينياً، وقد خضع منذ نحو عام لإشراف وحدات الحماية الشعبية الكردية التي أقامت حواجز للتفتيش في مداخله، وشاركت أكثر من مرة في التصدي لعناصر مسلحة حاولت السيطرة عليه قبل أن يتغيّر الموقف مع قطع طريق حلب_عفرين بوجه سكان القرى المقيمين في حلب وخطف مئات المدنيين الأكراد.
وقالت فاطمة، وهي نازحة من الحيّ، «لقد خطفوا زوجي بسبب انتمائه فقط، وهو عامل في القطاع الخاص ولا علاقة له بأي جهة أمنية أو باللجان الشعبية، وأجبروني على مغادرة المنزل مع أطفالي وهم يكبّرون عليه باعتباره غنيمة لهم».
وتم نقل المخطوفين، وهم بالعشرات، وبينهم موظفون حكوميون وأطباء، لبتّ أمرهم لدى «الأمير» في مقرّه في حيّ بستان الباشا، حيث أطلق سراح بعضهم وتمّت تصفية البعض الآخر. وشهد الحيّ موجة نزوح كبرى إيذاناً بتحوله إلى جبهة قتال رئيسة، مع اعتلاء قناصة تابعين للميليشيات لأبنية مطلة على الأحياء الآمنة المقابلة للحيّ في الشيخ طه وشارع الفيلات وحيّ الجلاء.