الزحف العظيم؟

"قليل"، كانت الكلمة الوحيدة التي حضرت في ذهني وأنا أشاهد ما تمخّض عنه "الزحف العظيم" الذي توّعد به حنا غريب ورفاقه الحكومة، فإذ به حشدٌ لا يزيد عن عشرة آلاف شخص أو حتى خمسة عشر ألفاً، إن أردنا، كما بعض وسائل الإعلام، التعاطف مع المعركة النقابية الأجمل، منذ زمن طويل."الزووم إن" أو "الفوكسة" بالكاميرات على زوايا الحشد المرصوصة، أو مقدمته، أو منبره العالي الصوت (على فكرة: حبيبي حنا، الله يخليك: ما بقى تحكي بالفصحى، لأنو سيبويه عم يتقلب بقبرو..) لا يغّير شيئاً في حقيقة الصورة. لا بل إن هذا الحشد الذي نجم عن تضامن وصل الى لحظة "الذروة" بانضمام فئات عديدة اليه من الفئات المتضررة من السياسات الحكومية الاقتصادية، يفضح للمفارقة، الجزء الفارغ من الصورة: جزء الجمهور، فيبدو أكثر فراغاً مما هو، لأن الحاجة الى ملئه ضخمة والغياب غير مبرر. أدرك اللبنانيون أن الزحف العظيم لم يحصل، إلا إن كان الزاحفون .. يزحفون حرفياً من مناطقهم!. فببساطة، هم يعلمون أن تتمة جحافل "الزحف العظيم"، كانت قابعة في بيوتها، أمام الشاشات في أحسن الاحوال، أو تستفيد من "يوم العطلة" الذي جاد به الإضراب، بعقلية "موظف الدولة" الهارب من الدوام، لا بعقلية المواطن الذي يدرك أن هذه المعركة قد تكون فرصة تاريخية لقيامة رأي عام لبناني، فقد ثقته، عن حق، بالعمل العام. تخيلوا لو أن التظاهرة ضمت مائة الف؟.. وهل في هذا مبالغة؟ أم أن الناس أُفسدت بالمال السياسي لدرجة أنها لم تعد تنزل الى تظاهرة الا إن "كانت المواصلات والسندويشة" مؤمنة؟ ليس صحيحاً إن العدد لم يكن مهماً. بل كان مهماً جداً. فتعطيل المصالح الحكومية وعمل المؤسسات ليس إلا نصف خطوة. أما النزول الى الشارع، فقد كان تتمة الصورة. أين كان البقية؟ موظفو الدولة المضربين؟ وبيروت مركزية، اي أن نصف الموظفين وهم يقدرون ب 270 الف موظف، مفترض أن يكونوا فيها، فأين كانوا أمس؟ هل أثر هذا العدد القليل على توجهات الحل؟ اي على تفخيخ إحالة السلسلة كما احيلت، متضمنة قضماً إضافياً من مكتسبات العمال التاريخية؟ أكاد أجزم بهذا.. قد يقول بعض المتفائلين أنها "معركة اولى" وإن ما بعدها لن يكون كما قبلها بعد انتصار هيئة التنسيق النقابية النسبي أمس. لكن هذا لا يمنع الإنطباع السيء: قلّة هم المستعدون للنزول الى الشارع. لا يزال الجسد النقابي عليلاً. ولا تزال ثقة المواطنين بالعمل العام، حتى اصحاب المصلحة منهم، ضعيفة. لكن اصبح بإمكاننا التأكيد اليوم، ان هؤلاء الذين يشكون من المشكلة، أصبحوا جزءاً من أسباب دوامها، بالغياب عن التحرك. يجب أن نعترف بهذا قبل أن ننطلق إلى ترميم تلك العلاقة من أبواب النقابات والنقابيين ذوي المصداقية، كقادة التحرك الاخير. أما المعركة؟ فلم تنته. وعلى ألارجح ستكون موارد السلسلة كما أُقٍرت، مُناسَبة أكثر من مناسٍبة لإكمالها.

كان على الشباب أن يعتنوا أكثر بإختيار شعارات المعركة، لتقليل الخيبة من التوقعات المبالغ فيها، ولكي تكبر الثقة. أما "الزحف العظيم"؟ فربما كان الأفضل تسميته "ايشانتيون" عن "الزحف العظيم"، أي مجرد عينة.. ولن يعيبها بشيء أن تكون كذلك. يكفيها فخراً أنها غير مخصصة للبيع.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 3/22/2013 10:16:03 PM

عم تحكي عن السلسلة..ما بدك يبقى لبنان من أصلو..لا حول ولا قوة إلا بالله..ممانع حزين

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم