في زيارته لباريس في شباط (فبراير) 2001، تخلّى حسن داوود عن حقيبة اليد الصغيرة التي لا تفارقه نزولاً عند طلب زوجته، ودسّها في إحدى الحقيبتين الكبيرتين الموضوعتين في صندوق السيارة. خافت زوجته أن يتعب من حملها، ذلك أن وقتاً طويلاً يفصلهما عن موعد الندوة التي كانت ستنعقد في «معهد العالم العربي» عن روايته «أيام زائدة». سار كل شيء طبيعياً أثناء الندوة، بينما كانت زوجته في انتظار أن تنتهي لكي تخبره أنّ الحقيبتين ومعهما المخطوطة... سُرقتا. لم يقصد اللص سرقة الرواية بالطبع. سرق الحقيبتين الكبيرتين، آملاً أن تحويا أغراضاً ثمينة. كانت الحادثة «مناسبة للكثير من الأصدقاء ليقولوا لي عليك أن تكتب على الحاسوب» لكن بعدما أصبح يستخدم الكومبيوتر للكتابة، لم يتخلّص من شكّه في أنّ الأشياء يمكن أن تضيع، وأنّ الورق ــ هذه المادة التي لها وجود ورائحة ــ صعّب من فقدانه للمخطوطة... فكيف عاد صاحب «لعب حيّ البيّاض» الذي أضحى كاتباً كومبيوترياً إلى «لا طريق إلى الجنة»؟ بدا الأمر متعذّراً في البداية. حاول أكثر من مرة كتابة الرواية المفقودة، لكن كان مستحيلاً كتابة الرواية ذاتها مرتين.

بعد سبعة أعوام من اختفاء الرواية، أي في مطلع عام 2010، بدأت كتابة الرواية من جديد، لكنّ سطوراً قليلة كانت كفيلة بأن تعبِّد الطريق لرواية أخرى، ليس فيها من المخطوطة المسروقة إلا هيكل عام لبعض الشخصيات. «أجريت تعديلات كثيرة على الشخصية الرئيسية، لكنّ مصيرها بقي على حاله. التذكّر معطِّل للكتابة. لا يمكن إلا كتابة ما تتخيله» يقول حسن داوود، مفصحاً بأنّ «هناك مشاهد أحبها كثيراً في الرواية الضائعة، لكنني لم أجد مكاناً لها في الرواية الجديدة». يُقرّ صاحب «مائة وثمانون غروباً» بأنّه «لا طريق إلى الجنة» أسهل تناولاً، بعكس سابقتها، إلا أن تلك «الهالة التي تحيط برجل الدين جاعلة منه صنماً، أو هيئة موجودة متكررة لا يختلف فردها عن الأفراد الآخرين» لم تتغير. شخصية رجل الدين تتميّز هنا بهاجس المعاصرة، خلافاً للصورة الشائعة عن رجل الدين «المستريح بانتسابه إلى زمن سابق على زمنه الحالي، وغير مهدد بالتحديات التي تطرحها مجتمعاتنا حالياً». إنها شخصيّة ضائعة بين زمنين: «بين رجل دين لديه رغبة عميقة في أن يكون إنساناً عادياً، كأن يرتبط بعلاقة غرامية مع امرأة يستطيع أن يتزوجها. يريد أن يعشق كشاب حرّ، وهو مغلول اليدين تجاه كونه رجل دين» قبل أن يؤثر الابتعاد متخلياً عن عمامته وجبّته في آخر الرواية. باعترافه، لم يسبق لحسن داوود أن أضاع شيئاً في حياته. شاء حظه أن يضيع رواية كاملة لم يبق منها في الذاكرة إلا رميمٌ أحاله من جديد ذهباً.