فخامة الطائفية

إنتظرت سبعة أيام بالتمام والكمال، أي لمدة تفوق مهلة اليومين وفق ما نص عليه قانون المطبوعات، بانتظار أن يصل نفي ما إلى الصحف، لكن، وحتى هذه الساعة لا شيء.. لم ينفِ رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنه قال لوفد أهالي الرهائن اللبنانيين في أعزاز، والذين زاروه طالبين مساعدته، أنه قال لهم «روحوا لعند جماعتكم».والمعلومة التي أدلى بها الأشخاص المشاركون في الوفد للزميل محمد نزال، والتي كتبها في تقريره منذ سبعة أيام، حدثت قبل 3 شهور لدى زيارة الوفد لأول مرة رئيس الجمهورية. وقتها، كما يروي لنا أدهم زغيب، وهو قريب أحد المخطوفين، جرى نقاش بين أعضاء الوفد الذي خرج غاضباً من عند فخامته. البعض أراد أن ينقل للإعلام ما حصل، لكن البعض الآخر تمنى أن لا يفعلوا لعدم إغضاب الرئيس، مع أنه قال ما قال. لكن، ولدى زيارتهم الثانية، أو محاولة زيارتهم لبعبدا، وبعد أن لاقوا صعوبة في لقاء الرئيس، عادوا ونقلوا إلى الإعلام ما اعتبروه حقيقة موقف فخامته! والطائفية، إن أردنا الإنصاف، ليست صنيعة الرئيس، ولو أنها صاحبة الفضل في وصوله إلى سدّة الرئاسة كونه مارونياً.. ولكن، ألا يتوجب على رأس الدولة أن يطبّق، على الأقل، ما قاله في خطاب القسم؟ «إنني اليوم، وفي أدائي اليمين الدستورية، إنما أدعوكم جميعاً، قوى سياسية، ومواطنين، لنبدأ مرحلة جديدة عنوانها لبنان واللبنانيون، نلتزم فيها مشروعاً وطنياً نلتقي عليه، بذهنية متقدمة، لنصل إلى ما يخدم الوطن ومصلحته كأولوية على مصالحنا الفئوية والطائفية، ومصالح الآخرين». فأيهما إذاً هو الرئيس الحقيقي؟ صاحب الموقف الأول أو صاحب الموقف الثاني؟ يحق لنا كمواطنين أن نسأل، أليس كذلك؟ لو كان رئيس الجمهورية رئيس بلدية، ووفد أهالي الرهائن تابعين لغير نطاق بلديته، لقلنا إنه ربما كان على حق. ولكن، هل يعي رئيس الجمهورية فعلاً ما قاله؟ وإن كان قد قاله في فورة غضب أو إحساس بالعجز أمام قضية معقّدة جعلت من لبنان يواجه حقيقة أنه بلد عاجز بين دول المنطقة، المستشرسة بمناسبة الأزمة السورية، فهل هذا يعني أنه لم يكن يقصده؟ وهل يستقيم اعتبار الرئيس كأي مواطن: يغضب ويزلّ لسانه بما لم يكن يريد قوله؟ هذا إذا لم نعتبر، كما يعتبر الكثيرون، أن زلات اللسان في مناسبات الغضب أصدقُ إنباءً، في أحيان كثيرة، من بيانات الرئاسة. وهي بيانات أمطرتنا في اليومين الماضيين بوابل من المواقف المعارضة للقانون الأرثوذكسي الذي ينص على أن تنتخب كل طائفة ممثليها بحجة: عدم تكريس الطائفية السياسية! هكذا إذاً فخامتك؟ فليذهب كل لبناني إلى «جماعته»، وعندها تحصر مرجعية الرئاسة بالموارنة من المواطنين، ومرجعية المجلس بالشيعة منهم ومرجعية الحكومة بالسنّة.. أما بقية الطوائف؟ فلتدبّر «راسها».. ربما من هذه العقلية ولد قانون الانتخابات الأرثوذكسي، إذاً لماذا يعارض رئيس الجمهورية هذا القانون؟ في المقابل، أنصتنا إلى خطاب السيد حسن نصرالله، الذي طالب الدولة اللبنانية أن «تتفاوض مباشرة مع الخاطفين» في أعزاز، وأردف قائلاً: «ما زلت أدعو الأهالي إلى الرهان على الدولة، ولكن في نهاية المطاف، يا دولتنا الكريمة: إذا وجدتِ نفسك عاجزة، قولوا لأهل المخطوفين، للقوى السياسية في لبنان، ولنا نحن أيضاً، نحن الدولة اللبنانية عاجزون. في تلك الساعة يذهب الناس ليعرفوا كيفية معالجة هذا الموضوع وهذا الملف، وكيف يتصرفون وماذا يفعلون؟ في النهاية الخيارات ليست معدومة». رئيس جمهورية يطلب من مواطنيه أن يذهبوا إلى جماعتهم، ورئيس حزب يطلب من الدولة أن تتبنّى.. أبناءها الذين أوقعهم حظّهم العاثر في براثن جماعة متطرّفة مذهبياً خارج حدود الوطن. حزورة: أيهما يصحّ تصنيفه ككلام رئيس دولة وأيهما كرئيس حزب؟ أراد السيد أن يقول في خطابه إنه ليس رئيساً للشيعة، هو أمين عام لحزب استطاع أن يبني للبنان مقاومة تردع أعدائه، وهي مهمة الجيش لو كان مسموحاً لهذا الجيش بذلك دولياً. المقاومة هي نوع من تحايل لبناني على الإرادة الدولية، فكيف يكون رئيساً للشيعة؟ طالب رئيس الحزب، الدولة، أن تكون دولة في مجال لا يصعب عليها، هي التي لا تني، متمثّلة ببعض رموزها، تتأفّف من استفراده بالمقاومة. فلمَ لا تفعل؟ أم أنها تريد أن تفعل ذلك حصراً في مجال مقاومة إسرائيل؟ لكننا جرّبناها، فكانت أفعالها محصورة إما بالبكاء أمام تسيبي ليفني، أو بتقديم أكواب الشاي للإسرائيليين خلال الحرب. فهل تريد أن تقدم الشاي أيضاً لمجرمي أعزاز؟ وإن كان هناك خلاف مكتوم بين الرئاسة وبين المقاومة مثلاً، فما دخل الرهائن التسعة؟ لا أعرف أين سيكون فخامته في هذين اليومين، فهو ما إن يحطّ حتى يطير، لكنني لن أنصحه بزيارة الجالية اللبنانية في أفريقيا، التي انهال بعض أفرادها علينا بالاتصالات للتأكد من حقيقة ما قاله رئيسهم. فهذه المعلومة مهمة لهم: هم يريدون أن يعرفوا لمن الفخامة في دولتهم؟ للرئيس؟ أم للطائفية؟

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/16/2013 12:14:07 AM

مقالة رائعة يا سيدتي، في الحقيقة عندما قرأت الخبر منذ فترة في الصحيفة تبادر إلى ذهني نفس السؤال. هل يجوز لرئيسنا المبجل إصدار هذه التصريحات الانفعالية؟؟؟ إلى متى سنبقى تحت سيطرة هذه العقلية الطائفية. لقد تعجبت إلى حد الإستياء من رد السيد الرئيس.. ماذا سيكون موقفي لو كنت مكان أهالي المخطوفين. لا تلومنا يا لبنان إن كان ولاؤنا للطائفة بدلاً لك. تعبنا والله ..

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/9/2013 10:53:18 PM

بعيدا عن الطائفية و السياسة. لو اهالي المخطوفين راحوا عند شيخ عشيرة العرب الي الامطار قلعتلهم خيامهم البائسة و اخذت واحد من اطفالهم كان اكيد شربهم قهوة و ادعى انو بيعرف جدودهم و وعدهم يعمل الي بيقدر عليه. طبيعي شيخ عشيرة و بتهمه سمعته بين العالم

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/9/2013 12:21:57 PM

عجبني كتير هالسؤال : "هم يريدون أن يعرفوا لمن الفخامة في دولتهم؟ للرئيس؟ أم للطائفية؟".. بعتقد الجواب صار واضح بس يا ريت يكون إعتقادي خاطئ.. قولتك عشم إبليس بالجنة؟

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/8/2013 8:32:09 PM

في الواقع لقد بلغ بنا الكره والحقد على هذه الدولة إلى الحد التي نتمنى أن تأخذ العاصفة العزيزة 95% من "مسؤولي" "دولتنا"، لو كنا في بلد يحترم مواطنوه ومسؤولوه أنفسهم، وسمعوا الكلام أعلاه صادر من أحد "المسائيل" لشنقوه على أقل تقدير..أليس هذا الكلام يعد "إضعافاً للروح الوطنية" وتآمراً على وحدة الدولة والوطن...إلخ...على كل حال من نعم الله على لبنان وجود أناس مخلصين كقيادة المقاومة وخصوصا السيد، أشعر أن في هذه الظروف لم تعد المقاومة ضمانة ضد إسرائيل وحسب بل هي ضمانة لبقاء شبح ضعيف من التماسك والمناعة في مواجهة التعفن المذهبي، بيحث يظل لدينا أمل بوجود..أمل!! ...ممانع حزين

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 1/8/2013 6:14:02 PM

مقارنة في مكانها. هذا مثال على كيف تقول الصحافة كلمتها، وكيف تمارس سلطتها بالحقّ والعقل والضمير. هيفاء ذياب

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم