إلى متى تبقى تركيبة مجلس الأمن الدولي على حالها؟ لماذا لدى دول خمس، فقط، حق النقض «الفيتو»؟ هذا السؤال، على بساطته، يسكت العالم عن الإجابة عنه، باستثناء قلة من الرافضين. وقد طرحه الخبير القانوني الدكتور محمد المجذوب، ضمن كلمة حقوقية له، في إحدى جلسات المؤتمر الذي نظّمه «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق»، تحت عنوان: «شرعية التصدي لقرارات مجلس الأمن الدولي: صلاحية الدول وولاية القضاء». وكان متوقعاً أن يبقى سؤال مماثل بلا جواب، أو بالأحرى، بلا حل، إذ يُكتفى عادة بالإجابة أن مجلس الأمن الدولي «غير عادل».
ماذا بوسع المظلوم أن يفعل إزاء قرارات دولية غير عادلة؟ يمكنه ألا يلتزم بها، أو، في أسوأ الأحوال، أن يعلن رفضه لها. لكن، دائماً، ثمة مبهورون بقرارات مجلس الأمن الدولي، يهوّلون ويخيفون، وربما يشيطنون، كل من أو ما يستخف بها. يحصل هذا، غالباً، من منطلقات سياسية، بعيداً عن الحيثية القانونية التي تحكم عمل مجلس الأمن. في هذا الإطار، لفت الخبير القانوني محمد الموسى (من الأردن) في محاضرته، إلى أنه «يجب عدم المغالاة في الإعلاء من مكانة قرارات مجلس الأمن وقيمتها، إذ إنه لا يتصور أن يعلن بطلانها عند مخالفتها لقواعد دولية لقواعد دولية آمرة». هنا تكون «إسرائيل» أول ما يحضر في البال. ذاك الكيان، المعترف به دولياً، يمكن القول انه احترف مخالفة القرارات الدولية، من دون أي عقوبات لا تحت الفصل السابع ولا أي من الفصول الأخرى.
مؤتمر «المركز الاستشاري» كان مليئاً بالمحاضرات القانونية الصرف. هذا المركز، القريب من «حزب الله»، والذي حاضر في مؤتمره رئيسه السابق النائب علي فياض، لم يكن «راديكالياً» في النظرة إلى مجلس الأمن. لا مكان في مؤتمر كهذا لشعارات من قبيل «الموت لأميركا». كان النقاش حقوقياً بامتياز. ومما جاء في كلمة فياض، أن «نفوذ الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، يأتي انطلاقا من نفوذ دولهم على مستوى العالم، وأن القرارات الصادرة تستند غالباً إلى تسويات بين هذه الدول أو تتعطل أحياناً». غني عن الذكر أن فلسفة إنشاء مجلس الأمن هي الحفاظ على «السلم والأمن الدوليين». لكن أين هذا السلم والأمن في القرارات التي أصدرها بشأن لبنان؟ الجواب أن ما حصل هو العكس، إذ أدّت إلى «انقسام بين اللبنانيين». من النماذج على ذلك، القرار 1559 والقرار 1595 (تشكيل لجنة تحقيق دولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري). بدا لافتاً أن فياض لم يكتف بالرفض والتدليل على عدم عدالة تلك القرارات، إذ أيد الاقتراح الداعي إلى «إنشاء محكمة دستورية دولية، تطعن من خلالها الدول المتضررة بقرارات مجلس الأمن غير العادلة، خاصة في ظل دول تشكو دائماً من هيمنة هذا المجلس ومنها دول أميركا اللاتينية».
لبنان، هذا البلد الصغير، كان موضوعاً لأكثر من 20 قراراً صادراً عن مجلس الأمن في غضون سنوات قليلة. هذا ما لفت إليه رئيس «المركز الاستشاري» عبد الحليم فضل الله، مشيراً إلى أن كل واحد من تلك القرارات «كان سبباً في تأجيج الانقسام الداخلي، وتهديد الوحدة الوطنية وإشاعة الفوضى». وفي سياق الحديث عن تلك القرارات، تحدّث وزير العمل سليم جريصاتي عن إصدار قرارات تعارض السيادة الوطنية، مثل القرار 1757 (إنشاء محكمة الحريري)، الذي «يعارض أيضاً الدستور اللبناني والقانون الجنائي الدولي». كان يفترض، بمن أراد السير بهذا القرار محلياً، أن يعدّل الدستور اللبناني، لكن هذا لم يحصل. أشار جريصاتي إلى تجربة فرنسا في تعديل دستورها، وذلك عند انتسابها إلى المحكمة الجنائية الدولية. لكن هنا لبنان. كل شيء مختلف وفريد من نوعه. يُفهم هنا أن السوء لا يأتي فقط من الجانب الدولي، بل أيضاً من الجانب المحلي، خاصة في ظل سلطة تستهين بنفسها ولا تأخذها الكرامة الوطنية في نظرة الدول إليها. من جانبه، أكّد المتخصص في القانون الدستوري الدكتور محمد طي على ما أورده جريصاتي، إذ أشار إلى أن مجلس الأمن «تجاوز صلاحيته بممارسة دور القضاء، في حين أن مهمته بالأصل تنفيذية، إذ أقام محاكم جنائية خاصة». بدوره أكّد الزميل الدكتور عمر نشابة، أن صلاحية المجلس ليست مطلقة، في حين أن «ازدواجية المعايير التي استخدمها واضحة، منها جريمة اغتيال رئيسة وزراء باكستان بنازير بوتو، التي لم يهتم بها إطلاقاً».