في عزّ العجقة الإعلامية والسياسية والديبلوماسية في معراب لاستطلاع خلاصات زيارة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للسعودية، بشقيها اللبناني والسعودي، أجرت «الأخبار» حديثاً شاملاً تناول قانون الانتخاب الذي أكد جعجع أن «إقراره قبل السنة الجديدة ضروري، وكل ما هو جدي يجب أن نسعى إلى بتّه قبل نهاية السنة، ويحذّر من أن يكون الأفرقاء الآخرون يفكرون في شكل غير سليم بإرجاء بتّه إلى ما بعد نهاية السنة».
وأكد أن أهميته تكمن في أنه «يرتبط حصراً بصحة التمثيل وصوابيته»، مشدداً على رفض تام وشامل لقانون 1960، نافياً أن يكون البحث في ماهية المشروع مرتبطاً بالتحضير لرئاسة الجمهورية، ومبدياً ثقته بأن «الرئيس ميشال سليمان لا يناور في موقفه الرافض للتمديد».
ويقول جعجع إن «إعداد لوائح المرشحين لم يكتمل بعد، بانتظار القانون، لكن سيكون لنا مرشح حتماً في الأشرفية».
ويكشف جعجع استمرار القوات في مقاطعة جلسات الحوار؛ «لأن لا شيء تغير، لأن حزب الله غير جاهز للبحث في سلاحه والاستراتيجية الدفاعية، لا بل إن إرسال حزب الله طائرة الاستطلاع إلى إسرائيل أثبت وجهة نظرنا؛ لأن ما حصل انتصار للتكنولوجيا الإيرانية، وليس انتصاراً للبنان».
وفي غمرة الكلام السياسي الجدي، لا يفوت جعجع أن يعلق على سؤال: «كم أعطتك السعودية من أموال لتغطية الانتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية»، فيقول مازحاً: «لن أكشف لك. لكن على هذا الأساس، وعلى ما قيل، فسأموّل كل لبنان».
في ما يأتي نص الحوار:

■ هل هناك نظرة مشتركة مع المسؤولين السعوديين لتحييد لبنان؟
مئة في المئة، وليس أقل من ذلك حتى بالنسبة إلى الأزمة السورية. يعتقد المسؤولون السعوديون أن الوضع اللبناني دقيق وحساس، ولا يريدون أن يخلق حل مشكلة قائمة، مشكلة أخرى. هم مع تحييد لبنان مئة في المئة. ولبنان كما رأيت خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، في ذهن المسوؤلين السعوديين وغيرهم من مسؤولين عرب أمر خاص في حاجة إلى عناية واهتمام خاصين. وما لمسته منهم ضرورة تحييد الوضع اللبناني كلياً، وقيام الدولة جدياً استناداً إلى الطائف وحلّ كل الميليشيات وبقاء مؤسسات الدولة والجيش للدفاع عن لبنان.

■ هم إذاً مع سياسة النأي بالنفس؟
لم نتطرق إلى هذا التعبيرفي حد ذاته، لكنهم مع عدم انتقال الأزمة السورية إلى لبنان. طرحنا الموضوع من هذه الزاوية، أكثر من زاوية النأي بالنفس أو عدمه.

■ هل تصوركم مع المسؤولين السعوديين واحد بالنسبة إلى سوريا، وهل الحسم فيها قريب أم مؤجل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية؟
في تقويمنا، قد تحدث خطوة أو خطوات نوعية فور انتهاء الانتخابات الأميركية. هناك شلل تام في الشهرين المقبلين، لكن فور انتهاء الانتخابات، وبغض النظر عن فوز أيّ من المرشحين، الرئيس باراك أوباما أو ميت رومني، سيكون هناك بحث في خطوات أكثر جدية ونوعية، على مستوى العرب والأميركيين، واعتقاد المسؤولين العرب، أن الأميركيين متجهون إلى حركة أكثر دينامية بالنسبة إلى الوضع السوري.

■ انفتاح قطر على الحكومة اللبنانية، هل يأتي من ضمن توجه عربي شامل؟
أبداً، كل دولة عربية تعمل وفق رؤيتها الخاصة وما يناسبها من مصالحها الخاصة. ولم ألمس هذا الجو في المملكة العربية السعودية. وأعتقد أن قطر متأثرة بالنظرة الفرنسية التي تقول إنه ما دامت الحكومة موجودة فلنتعامل معها.

■ لكن يبدو أنكم أيضاً تخليتم عن المطالبة بإسقاطها؟
الوضع دقيق وخطير ويحتاج إلى كثير من الانتباه والصبر والجدية. وأنا من دعاة الضغط السياسي لتسقط الحكومة، على ألا نذهب إلى أبعد من ذلك، نظراً إلى دقة المرحلة. فالمسؤول يجب أن يتصرف بمسؤولية، ولو كان في المعارضة.

الحريري والدوائر الصغرى

■ لقاؤك مع الحريري جاء بعد اعتراضات على الدوائر الصغرى وضرورة مراعاتكم مع النائب وليد جنبلاط؟
اعتراض سعد الحريري ليس على الدوائر الصغرى، بل مشكلته الأساسية هي مشروع النسبية. وهو مستعد لأن يصول ويجول قدر ما نريد في الدوائر الصغرى، ولكنه ليس مستعداً لأن يسمع مطلقاً بقانون النسبية. في حين أن موقفنا هو أننا لسنا مستعدين الآن لنصول ونجول في النسبية، لكن إذا لم يقرّ قانون الدوائر الصغرى، فلكل حادث حديث. هذه واحدة من نقاط الخلاف. لا أخفي عليك أننا بدأنا اللقاءات بمواقف متباينة، لكن بعد الجلسة الثانية والثالثة، اتفقنا على أن الدوائر الصغرى مشروع «منيح»، فنرى كيف نعمل لنأتي بالأفرقاء الآخرين للتوافق عليه لإمراره، لأننا لا نستطيع وحدنا أن نقره. بالنسبة إلينا هو مشروع جيد جداً؛ لأنه المشروع الذي قدمناه مع الكتائب والمستقلين من مسيحيي 14 آذار. هذه خلاصة البحث، واتفقنا على أن يقارب كل واحد منا الأطراف السياسية الأخرى. نحن نكمل عملنا مع المسيحيين، وهو مع النائب جنبلاط، وأتصور أن الكلام الفعلي بشأن الانتخابات سيكون بين الحريري وجنبلاط. ونحن أيضاً سنتواصل مع جنبلاط، لتذليل العقد الموجودة.

■ هل طلب تعديلاً على الدوائر الخمسين؟
كلا، ونحن قلنا له إن مشروعنا الأساسي 61 دائرة، لكن بعد الحوارات مع المستقبل والكتائب ونواب جنبلاط، وصلنا إلى مشروع الدوائر الخمسين، ونحن غير مستعدين للبحث مجدداً في خفض العدد إلى أربعين، ومن ثم إلى ثلاثين.

■ لكن هل اتفقتم على البحث في النسبية مجدداً إن لم يقر مشروع الدوائر الصغرى، أم أنه رافض نهائياً؟
الحريري يرفض نهائياً البحث في النسبية.

■ ألا يقترح بديلاً إذا لم يقر الدوائر الصغرى؟
يقول الحريري حينها «منشوف». لقد أصبح واضحاً لديه بعد مواقف بكركي وكافة الأفرقاء المسيحيين الرافضة لقانون 1960 أنه لا يمكن العودة إليه، ومشروع الخمسين دائرة لا بأس فيه، منيح وليس عاطلاً أبداً، فلنعمل على مراره. هذا ما اتفقنا عليه. أبعد من ذلك، إذا لم يقر مشروع الخمسين دائرة، فنحن لدينا تفكير، وسعد الحريري لديه تفكير آخر. الآن نعمل براغماتياً. الأساس بالنسبة إلينا أن نصل إلى قانون انتخابات جديد.

■ حتى الآن لم يقل المستقبل حقيقة أي مشروع يريد، هو فقط وافقكم على مشروع الخمسين دائرة؟
طبعاً. لكن إذا طرحنا مشروع الخمسين يصوت عليه، وهو يرى اليوم أنه يجب تجميع الأصوات حوله.

■ البعض يقول إن الرئيس نبيه بري ليس مع النسبية، وقد تتلاقى مصالحه مع الحريري وجنبلاط بالعودة إلى قانون 1960.
لست من هذا الرأي. الرئيس بري يفتح الباب على كل الاحتمالات، وعينه على احتمال واحد. ولا ننسى انه مرتبط بتحالفات معينة، وفي مجلس الوزراء صوّت مع النسبية.

■ إلى أي مدى يمكن التقاء الأفرقاء المسلمين ومنهم الحريري وجنبلاط على قانون 1960؟
لا احتمال مطلقاً، ولا ننسى أن المسيحيين متكتلون ضده. إلا إذا كان «صديقي» العماد ميشال عون قد غيّر رأيه؛ إذ قال أمراً لم أفهمه، بما معنى أنه إذا لم يكن ثمة خيار آخر، فلِمَ لا؟ ونحن تعودناه أن ينتقل من هنا إلى هناك.

■ اجتمعتَ مع الوزير وائل أبو فاعور أخيراً، هل لمست نية لتراجع جنبلاط عن 1960؟
طرح النائب جنبلاط 1960 بداية التفاوض وهو أذكى من أن يجهل أن لا عودة إلى قانون 1960، ولكنه يحتاج إلى نقطة ينطلق منها للتفاوض. في رأيي، يعرف أنه لا مجال للستين، وكي يكون مرتاحاً بالتفاوض يختار أبعد نقطة للانطلاق منها.
■ للتفاوض معكم أم مع شركائه في الحكومة على النسبية أو حزب الله؟
النسبية لا تناسب جنبلاط بكل أشكالها. وتصوري أن جنبلاط قد يكون مع أي قانون ما عدا النسبية، وهو جاهز للبحث في كل الخيارات الأخرى.

خريطة طريق لما بعد الانتخابات

■ تردد أنك مع أبو فاعور تناولت خريطة طريق لما بعد الانتخابات إن فزتم، أي رئاسة مجلس النواب، وأنك مرشح رئيس للجمهورية؟
هذا الكلام غير صحيح. حكينا أنه بعد الانتخابات من غير المسموح العودة إلى ما قمنا به عام 2009، وإلا فلماذا نخوض الانتخابات؟ حكينا بقضية رئاسة المجلس، والرئيس نبيه بري بتموضعه السياسي الحالي رغم احترامنا الشخصي له، لا يمكننا حمله في رئاسة المجلس، ويجب تشكيل حكومة منسجمة، كذلك أخذ الفريق الآخر الخطوة الأولى وشكل حكومة منسجمة. ولم نأت، لا من قريب أو بعيد، على موضوع رئاسة الجمهورية.

■ قيل إن المطروح أنت رئيساً للجمهورية، والحريري رئيساً للحكومة، والنائب السابق محمد عبد الحميد بيضون رئيساً للمجلس النيابي؟
أبداً، هذا الكلام غير صحيح. لم يجرِ التطرق إلى أي اسم لرئاسة المجلس، بل تطرقنا إلى أننا نريد رئيساً للمجلس النيابي منسجماً مع الأكثرية الجديدة والحكومة الجديدة منسجمة، ولم نتطرق إلى أسماء ولا إلى رئاسة الجمهورية.

■ ألم يكن هذا محور الحديث مع الحريري؟
إلى حد نقطة الحكومة ورئاسة المجلس، وليس إلى رئاسة الجمهورية.

■ هل يوافق الحريري على تغيير رئيس المجلس؟
السؤال يجب أن يوجه إليه. لكن أتصور أنه صرّح منذ عام بأنه لا يمكن ان يصوت للرئيس بري.
■ هل لا يزال عند هذا الرأي، في ظل الخلاف السني الشيعي.
لا أستطيع أن أتحدث عن موقفه. هذا رأيي وأنا طرحته على الحريري. وأستطيع أن أقول إنه ليس بعيداً عن هذا الرأي.

■ ألم تبحثوا موضوع رئاسة الجمهورية؟
كلا. على كلٍّ موقفه معروف منها.

■ نعرف موقفه، لكن هل أنت مرشح لرئاسة الجمهورية؟
بعد بكير على رئاسة الجمهورية.

■ تحدثت عن حكومة منسجمة بعد الانتخابات، فهل مسموح أن يقر قانون تربحون فيه لتؤلفوا حكومة منسجمة؟
ماذا يفعلون؟ هل يقتلوننا؟ ماذا سيفعلون سياسياً إذا أقنعنا العماد مشال عون بالدوائر الصغرى؟



الخطة الأمنية وسجن رومية

يفضل جعجع الانتظار لتقويم الخطة الأمنية التي بدأت في البقاع بعد الضاحية والشمال «حتى أرى النتائج على الأرض، لكن مهما كان الأمر، فالخطوة جيدة. وأسف ألّا تكون قد جاءت نتيجة قرار جدي من الدولة مباشرة، بل بعدما بدأ حزب الله وحركة أمل يتضايقان من الوضع القائم على الأرض. لكن الخطوة إيجابية، وأهم شيء هو ألّا يتم التراجع عنها في مواجهة أي صعوبة».
ويصف ما حصل في سجن رومية بأنه «غير مقبول على الإطلاق، ولا سيما أنها ليست المرة الأولى، ولا يمكن إعطاء أسباب تخفيفية، وكنت أفترض أن وزارة الداخلية محتاطة، لكن أن يكون آمر السجن من أصحاب السوابق، فهذه لامبالاة وإهمال فاضحان. فهل سجن رومية هو صحراء نيفادا حتى لا يمكن اتخاذ إجراءات فيه. من ناحية أخرى، لا يجب قضائياً أن يبقى فيه متهمون من دون محاكمات لأعوام عدة. لكن أنا لا أعطي أبعاداً سياسية لما حصل».
لو هرب ميشال سماحة من السجن ألن تقوم القيامة على الجيش، فيما مسؤولون في فتح الإسلام هربوا وكأن شيئاً لم يكن، ولم يستقل وزير أو مسؤول؟ يجيب جعجع: «إذا نقلنا الأمر إلى هذا المستوى من المطالبة بالاستقالات، فأنا معه، لكن شرط أن يحصل على كافة المستويات من دون استثناء. يجب أن نتعاطى بهذا الشكل في كل الملفات، في الكهرباء وفي المازوت الأحمر».



سارحة والرب راعيها

نسأل جعجع عن اللاجئين السوريين، وكيف يمكن التعامل معهم بعدما ارتفع عدهم ليقارب مئتي ألف، فيجيب: «تتعامل الحكومة مع هذا الموضوع على طريقة «سارحة والرب راعيها». يأتي اللاجئون ولا أحد يعرف أعداهم وأين يقيمون. الأهالي يهتمون بهم. الدولة تهتم بهم، لكن لا أعرف إلى أي حد تمسك بزمام الأمور. لا تستطيع الحكومة أن تضع رأسها في الرمل، بل يجب أن تأخذه بكل شفافية وجدية وتعنى فيه كما في صورة لبنان، بكل الجوانب الإنسانية، بغض النظر عن انتماءاتهم. وإذا تخطت مساعدتهم قدرة لبنان، يجب التوجه إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة لتوفير الإمكانات اللازمة، وأنا مع تناول وضع اللاجئين بكل جرأة وشفافية أو حياء، وبكل روح إنسانية». لكنّ هناك عسكريين فارين ومجندين وحديثاً حكومياً عن ارتفاع نسبة الجرائم التي يرتكبها بعض اللاجئين، ألن تطلق الصرخة في وجه الحكومة إذا قامت بأي عمل لقمع مخالفاتهم الأمنية؟ أبداً، في الأردن أكثر من مرة أقفلوا مخيمات بسبب الأعمال المخلة بالأمن واعتقلوا مرة أربعين لاجئاً. وبقدر ما تأخذ الحكومة قضية اللاجئين على عاتقها، تتمكن من ضبط الأمن كما يجب. وهذا ما يقتضي أن تكون ساهرة على الأجهزة الأمنية، لأن هناك بعض الأجهزة التي لا تزال تتجاوب مع النظام السوري.