جوليان أسانج «ماي سوبرمان»

عادت «الأخبار» لتنشر وثائق ويكيليكس، وعاد الفتى الذهبي جوليان أسانج ليشغل «المجتمع» اللبناني، إن صدق فيه وصف «مجتمع»، بأخبار طبقته السياسية والروحية والثقافية التي يجب كشط معظمها ما إن تبدأ «المياه» بالغليان، وهي بدأت تغلي منذ فترة. فالنار موقدة تحتنا، والإناء، كما تعلمون، ينضح بما فيه. عادت ويكيليكس وعاد أسانج، بطل زماننا المعاصر، ليشغلنا بمتابعته. فهو الابن «غير الشرعي» للنظام العالمي، ابن «أساطير» الشفافية والديموقراطية وحرية التعبير، والدليل الذي ينفي ويثبت، في الوقت ذاته، وجودها. إنه سوبرماننا المعاصر.

فالفتى الذهبي، ذو الشعر الأشقر إلى حد البياض، هو فعلاً «بطل خارق». نوع من «الفتى الجبار»، بطل مجلات الطفولة من الرسوم المصورة، وأزعم أنه لا يشذ في ظروف «نشأته» عن أولئك الأبطال الذي ولدوا من المخيلات الجماعية. فهؤلاء الأبطال الخارقون ظهروا في الغالب تعويضاً عن عجز عام، عالمي في حالنا و «بفضل» العولمة. هكذا، يقال إن «روبن هود» مثلاً «ولد» في القرون الوسطى عشية فترة شهدت زيادات ضريبية ومصادرة أراض من قبل الأمراء. «زورو» أيضاً ظهر في خمسينيات القرن 19 في ولاية كاليفورنيا أثناء خضوعها للحكم الإسباني، وفي الأصل، أي قبل مصادرة هوليوود له، هو بطل مكسيكي ورمز لمقاومة الثقافة الأنغلو أميركية. «سوبرمان» ظهر منتصف الثلاثينيات، عشية انتهاء الكساد الكبير، ودخول اميركا الحرب العالمية الثانية. لكن أستاذ «الرسوم التزيينية» (illustration) دانييل درانن رجح أن يكون هذا الظهور في «لحظة استبدال أميركا لنظامها الديني بنظامها الرأسمالي، وكتعويض عن شخصية المنقذ الديني (المسيح)» بمنقذ مدني (سوبرمان) ولكن خارق (نوع من إله ولكن حديث) يحقق العدالة ويحارب الجريمة. وربما كان من الأفضل تشبيه الثنائي أسانج/ مانينغ (برادلي مانينغ الجندي المتهم بتسريب الوثائق) بشخصيّتي «باتمان وروبن». فباتمان المقنع هو أيضاً ابن «النظام»، لكنه يحارب الشر بأساليب غير «شرعية». وبغض النظر عن التفاصيل، نكتفي بالقاعدة العامة. فالخارق العادل «يولد» لتذليل خارق آخر شرير (انظر «المهرج» مقابل باتمان) وبأدوات «خارقة» هي الأخرى: السمع الخارق، النظر والنفس الخارقان... وهو ما يستقيم، تقريباً، في قصة ويكيليكس. فإن كان ظهور الأبطال الخارقين تعبيراً عن رغبة جماعية في خلاص سحري في مجتمعات ما بعد الحروب أو الكساد الاقتصادي، إلا أن ما أنتجناه نحن، المسحوقين بنتائج ثورتين متتاليتين: الصناعية والمعلوماتية، أفضل بمليون مرة من تلك الأساطير، لسبب واحد: إنه ليس خرافة، بل حقيقة توازي ثورة على النظام العالمي. فأسانج ومانينغ ليسا بطلين كرتونيين، بل نابعان من حاجة حقيقية للشعوب التي صادرت الإمبراطورية كل وسائل تعبيرها بلعبة معقدة، تتضافر فيها قوى المال والسلاح والإعلام، وبرامج توظيف الطاقات الشابة للبلدان التي تنخرها البطالة والفساد، في «منظمات» المجتمع المدني، المبدد للطاقات، بتمويل من الإمبراطورية. لكن، وكما أنه من كل دمار تنبثق الحياة، وهي حياة، كما في العلاقة بين المضادات الحيوية والفيروسات، مولودة بالضبط من انتصارها على الفيروس، انبثقت فكرة ويكيليكس كمضاد حيوي للتلاعب البلا حدود بقيم الشفافية وحرية التعبير. هكذا ولدت لتلبّي حاجة حقيقية بإماطة اللثام عن مخربي المجتمعات. «كوكب كريبتون» المدمر بخصوصياته وأحلامه وثقافاته والمنهوبة ثرواته، هو نحن. أما «سوبرماننا» فهو أسانج، الذي حاول محاربوه انتزاع قواه «الخارقة» بكريبتونيت* التهمة الجنسية الملفقة، لسلبه قواه الجبارة، وهي هنا صدقيته والحقيقة التي ينشرها. وحين وقف «أميرنا الصغير» منذ أسابيع في شرفة سفارة الإكوادور التي منحته اللجوء الى أراضيها، ومنها السفارة، بدا كأنه يقف في أعلى نقطة من كوكب «غوتام» في قصص «باتمان». كان في وقفته سخرية وتحدي من يعرف قوة الطعنة التي وجهها إلى «النظام»، وحذر المحارب الذكي الذي يعرف أنه يواجه قوى الظلام المجروحة بكشف وجهها المشوه إلى العالم. ثم تلا بيانه الذي يدعو فيه زميله مانينغ، المعتقل في الولايات المتحدة، إلى أن يتصرف كبطل وليس كمتهم. وها هو منذ يومين يوجه اصابع الإتهام لأوباما، وذلك خلال مداخلة له مقفلة على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة، قائلا له إنه يستغل الربيع العربي لتحقيق مكاسب سياسية، وأن ادعاء الولايات المتحدة بأنها تدعم قوى التغيير في الشرق الأوسط "يمثل ازدراءً بالبوعزيزي". وإن كان أسانج قد رفض اللعب وفق قوانين الإمبراطورية، فإن الإمبراطورية تلعب معه بأساليب كلاسيكية شريرة. الاتهام بجريمة جنسية هو سلاح أميركي بامتياز. شيء يشبه مونيكا لوينسكي وبيل كلينتون. لكن تشويه سمعة أسترالي بواسطة الجنس أمر صعب. كان لا بد من الاعتناء بالتفاصيل، ففبركوا اتهامه باغتصاب سيدتين، إحداهما كان من الواضح أنها دسّت كالسم في سريره فكان الاغتصاب السويدي، وهو مفهوم عصيّ على الفهم في الحقيقة. لقد طعن أسانج الإمبراطورية في مقتل، وهي لذلك تستشرس في محاربته. فهو النموذج الضد، الذي يبطل مفعولها. هو البطل المضاد الذي تسعى لإعدامه، ولو معنوياً، في الساحات العامة، لكي يكون مصيره «عبرة لمن يعتبر». ماذا فعلنا لأسانج؟ لقد تضامن معه «أبناء جلدته»، إن صح التعبير، ببعض التظاهرات المؤيدة. وحين لوحقت ويكيليكس لتجفيف «منابع تمويلها» وعاقبتها «ماستر كارد» و «فيزا» وما تيسر من أدوات النظام العالمي المالي، تبرع بعض المتعاطفين الأغنياء ببعض تمويل لكي تكمل ولا تموت. عدا ذلك؟ كل النضالات لتأييده كانت افتراضية. لكن الحلول الافتراضية لا تنفع حين يكون التهديد جسدياً. هنا تتوقف حدود النضال الافتراضي. ولذا، يجب أن نفكر معاً، فلربما خطر ببال بعض القراء المهتمين فكرة ما، فلا يبخل بها علينا. فنحن قوم، كما تعلمون، لا ننسى ولا يجب ان ننسى... أبطالنا.



*الكريبتونيت هو حجر أسطوري أخضر، أهميته تأتي من كونه الوحيد القادر على تعطيل قوى «سوبرمان» الخارقة.





«من أجل ويكيليكس»





أميّة جوزف سماحة، فتاة عنيدة. ها هي تعمل بكدّ منذ شهور على إقناع فنانين بتقديم نشاطات مجانية يعود ريعها لدعم مؤسس ويكيليكس. استطاعت الصبية الهادئة والمبتسمة أن تجمع بعض الفنانين الشباب من تشكيليين ومصورين ومغنين لبنانيين، مساء الأربعاء المقبل، في مسرح المدينة، حيث سيقدمون لنا الغناء والرقص إضافة الى معرض للصور. ثمن البطاقة 10 آلاف ليرة، و«الجمعة» ستكون نوعاً من تقديم الامتنان لويكيليكس. أما من يريد التبرع بما يزيد على ثمن البطاقة، فسيكون مرحّباًَ به. لذا ندعوكم جميعاً، إلى مسرح المدينة الأربعاء المقبل تمام الثامنة والنصف مساءً، لنقدم تحية هي أضعف الإيمان لفتانا الخارق جوليان أسانج.

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 1:36:57 AM

لا أعتقد أنّ أمريكا تترك شيئا للصدف ,ولا أعتقد أنّ التسريب كان على غفلة منها مهما حوى !! كيف نثق بصدقيّة تقارير هي بين أمريكا وسفاراتها ! الأمريكي هنا هو حامل القلم وكاتب التقارير وأظنّه ناشرها ايضا وماأسانج إلا الواسطة بمعرفة منه أو بجهل لست أدري ! أمريكا وهي من كذبت على مرّ تاريخها وصولا لأحداث 11 أيلول لن تترك شيئا يمرّ من بين أصابعها دون أن تحسن استخدامه واستغلاله واستثماره.. ورده

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 12:36:40 AM

حتى أنت يا ضحى وقعتي ضحية "الفتى الذهبي" - أسانج وشقاره. ما تعتقدي إنه وثائق "مسربة" ما هو سوى "تسريبا" متعمدا لزعزعة النظم القائمه (السياسية، الاقتصادية ... الخ) في منطقة الشرق الأوسط لشق الطريق أامام الإسلام الصهيوني االذي إعد بدقه ليستلم السلطه. هذا هي "الفوضى الخلاقة" للحسناء السوداء كوندوليزا. كفانا إرسال أموالا لهم. ليذهب ريع الحفل "لأولاد" زياد. "بعدن الولاد الحافيين والقسطل عم يرمي المي" باسل

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 9/30/2012 11:16:48 PM

بالأصالة عن هيفاء ذياب: "هؤلاء الأبطال الخارقون" وليس "الخارقين."

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 2:51:08 PM

شكرا،أيّها/أيّتها الظريف/ة المتخفّي/ة، ضحكتُ من قلبي. أرجو السماح لي أن أهمس لك بملاحظة صغيرة (وهذه المرّة فعلا بالأصالة عن نفسي): يقال هنا:(بالنيابة عن..)، لأنّك نُبت عنّي في التصويب. شكرا جزيلا لهذه الثقة. على فكرة، وبما أنّنا نعلّق فيما يخصّ موضوع أسانج، أنا لست مع الرأي الذاهب إلى فكرة المؤامرة. صحيح أنّ أمريكا قوّة مهيمنة، ولكن هناك ثقوب يمكن التسرّب منها لمواجهة السدّ الأمريكيّ الهائل. ليس صحيحا أنّ أمريكا قدر لا مفرّ منه. تحيّاتي لك ولضحى.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/3/2012 2:08:40 PM

بين الأطنان من وثائق الفتى الأشقر المسربه لماذا لم نر أشياء مثل: - من فيلتمان الى كلينتون يطلب فيها الضغط علىى إسرائيل لتوعز الى عميلها في لبنان فلان النزيه ليفعل كذا وكذا - من فيلتمان الى كلينتون يطلب فيها الإيعاز لعميل CIA "اللبناني" ...... لتسريب معلومات في واحدة من الجرائد "اللبنانيه" خصوصا أن معظم كتابها هم على جدول الرواتب في وكالة المخابرات المركزية وأخيرا، إذا كنت تصدق هذه الأخبار بين الحين والآخر أن شخصا ما اخترق كمبيوتر البنتاغون أو كمبيوتر وزارة الخارجية فهذا يعني أن هناك جنية للأسنان وبابا نويل.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 10:59:26 PM

هي ليست قدر لا مفرّ منه إلا بمقدار أنّنا نرغب أن تكون كذلك ,,وأسانج ولو لم يكن أمريكيّ الصنع فعلى الأقل لن تتركه أمريكا دون الاستفادة ممّا لديه ومن استثمار ماوصل له عن طريق خطأ مقصود أم غير مقصود أم مصادفة فقط ,,وعلى أكمل وجه وبالشكل الأمثل ومفرقعات أسانج ستنفجر في وجه الآخرين ضمن التقارير وليس في وجه أمريكا ,رأينا السجون السريّة المتنقّلة بين الدول والمقرّات السريّة للتحقيق في بلدان مختلفة ,وسجن أبو غريب وغيرها وغيرها الكثير فهل من صدى لها على صعيد عالم بأكمله ولا زالت العاهرة تحاضر في الشرف والمصيبة كلّ المصيبة أنّهم يستمعون لها عزيزتي ...! منذ قليل قال جورج غالاوي في برنامجه مقولة ليست جديدة مطلقا :لا يمكن لأحد استعبادك إن لم ترد ذلك ,وكونفوشيوس عبّر عنها بكلمات مختلفة " لايمكن لأحد امتطاءك إن لم يكن ظهرك محنيّا "ولذلك أرى المشكلة أساسا هي فينا نحن وليست في القوّة المهيمنة .وحينها لن تنفعنا كلّ ثقوبها ,,واشكري ربّك إذا مارتقناها عوضا عنها (: ورده

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/3/2012 6:29:17 PM

نسيت التعذيب الذي أخترع رامسفيلد له مصطلح جديد "محاكاة الغرق" مما يجعله أقل همجيه.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 5:32:42 PM

أمريكا قوة عظمى، ودوله جباره ويمكن هزمها. تقدم بطلب وظيفة تنظيف مباول لمبنى ****بالقرب**** من وزارة الخارجية، وسترى كيف يعود التحقيق بخلفيتك الى الجد الثالث (من جهة الأب والأم) ثم إنتقد فكرة "مؤامرة".

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 4:15:53 PM

الرفيقة هيفاء ذياب: شكرا جزيلا على التعليق وعم فكر، إذا ما عندك مانع، أنتدبك لتنوبي عني بطاولة الحوار الافتراضية مع القراء الأعزاء.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 10/1/2012 3:58:14 PM

شكرا لهيفاء وللمعلقين..وانا اعينها بالنيابة عني لطاولة الحوار الافتراضية لو قبلت. ضحى

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم