كيف يمكن أن تعمل مع إنسان لا يحمل ساعة يد؟ ولا ساعة حائط طبعاً، فهي كبيرة على اليد. ولا أيّة ساعة اخرى متدلية مثلاً من أُذنه أو ملفوفة حول الرقبة من تصميم «غوتشي»، ولا مثبّتة في مناخيره يخرج الكوكو منها كلّ ساعة؟ في أيّة ساعة يأتي إليك؟ أيّة ساعة يتصل بك ليأتي إليك أو يلغي الموعد؟ وبناءً على ساعة مَن يكون في طريقه اليك؟ وإن وصل، فهل يعرف أية ساعة وصل، وكيف يعرف إن هو وصل على الساعة المُتّفق عليها؟ وإن أتى قبل الساعة المذكورة او بعدها، فكيف تقنعه بأنه أتى باكراً أو تأخّر؟ ما الذي يمنعه من أن يقول لك إن ساعتك غير مضبوطة «تماماً» !!!؟ وبمَ سيُجيبك إن سألته: في أيّة ساعة يعتقد أنه سينتهي من هذا الجدل ومن ثم العمل الذي تكفّل بإنجازه؟
في المقابل، كيف تعمل مع إنسان ثانٍ يحمل ساعة يد، وحين تسأله في أيّة ساعة سيأتي؟ يجيبك: لن أتأخّر. يتأخر عن ماذا، عن أيّ، عن أيّة، عن متى؟ إن هذا المواطن الثاني، المواطن عُنوةً عنك وعن الدستور والاستقلال والذي، نكاية بالمجتمع كلّه المدقِّق معه، يحمل ساعة اليد رغماً عنه، يُفترض أن تُشترى منه هذه الساعة وبثمنٍ مُغرٍ، ثم تُهدى الى المواطن الأوّل البوهيمي المؤمن بالنبات ومريم نور وانتصاف الشمس والنهار. فهو يستأهلها أكثر من الثاني. فعلاً أعزّائي، ما العمل مع الأول ومع الثاني؟
ما هذا التعاطي الواثق تجاه الوقت والزمان وبالتالي الأمكنة، ما اسم هذه الجهوزية العجيبة تجاه العمل والإنتاج؟
أعزّائي، أيّها القرّاء، ويا أيّها الرفاق منهم،
إنّ كل شعب يعتبر كلمة : «شَغّيل» إهانة هو شعبٌ سينقرض، وقد بدأ بالفعل. لماذا؟ لأنه، لفراغ وقته وإساءة استعماله للوقت، سَيُساق. قد يُشرى، قد يُباع. وسيستخدمه الآخرون حاملو الساعات المخطّطون على عدد الثواني، المهتمون بالفرق بين الرقم 100 والرقم 98 ،65 مثلاً والذي هو 1 ، 35 // واحد فاصلة خمسة وثلاثون // والذي إن ضُرب برقم 1000 يُصبح 1350 // ألف وثلاثمئة وخمسون // وتغيب الفاصلة التي كانت بين الواحد والخمسة وثلاثين الى غير رجعة ويا للهول! فكيف يا إخوتي إذا ضُربت برقم 10 او 100 ألف، مهما كان نوع أو نوعية هذا الـ 1، 35 من الفرق؟ أكان: زيادة على معاش أم غرامةً أم ربحاً إضافياً يبدو بسيطاً حتى أنّه لا يُذكر، أم نسبةً للسكّري، أم نسبة علامات أحد أولادكم أم نسبة تهريب في ساعة كهرباء «سنتر الجزيرة»، أو بأسوأ الأحوال وفي الأصول نسبة النموّ الاقتصادي الأزعور ـــــ السنيوري؟ ...
إنّ شعبنا الذي يَمقت العمل بأكثريته الساحقة، وبالتالي فالـ «شَغّيل» إهانة، سيعيش وقتيّاً وبشكل مستمرّ في آنٍ واحد، وفي أيّة ساعة، حَمَلها أم لا، على استيراد اليد العاملة بكثافة ومن كلّ الجنسيات الجاهزة للعمل وسيحتقرها مهما فعلت أو حتى برعت. فهي تعمل والعمل إهانة وهو يكره الإهانة. بل يدعوهم الى الإهانة من خلال العمل. وهو، إن شعر بأنها ليست بكافية، (رغم الساعات الإضافية التي لا يشعر بها لكونه لا يحمل ساعة وإن حملها لا يستعملها إلاّ لتذكير الطبقة الأجنبية العاملة بأنّها تأخّرت خمس دقائق فجراً أو بأنّها أمضت دقيقة إضافية في التهام الساندويش خلال استراحة الظهر) سيُهينها بالكلام أيضاً. هذا الشعب نفسه سيُهاجر باستمرار الى حيث يُمكن له أن يعمل، لكن بالسرّ، في أعمالٍ يعتبرها مُهينةً فوق العادة. لذا قرّر أن يقوم بها بعيداً عن أرض الأجداد، الأرض التي تدمع عيناه عليها وعلى الحمّص. إنه شعبٌ يعاني مشكلة شخصية ثمّ اجتماعية. فكلّ من يعمل في السرّ لا يمكن أن يكون سعيداً كما لا يمكنه أن يعمل بأخلاق. وبالتالي سيكون، إن عَمِل، عاطلاً هذه المرّة، في العمل. فما العمل؟ إنّ هذا المواطن قد وجد جواباً وقتيّاً وبشكل مستمرّ حتى الآن عن هذا السؤال. يكون العمل بأن يكون هو «المعلِّم». وماذا «يعمل» المعلِّم؟ ينتظر تحويل النقود من مواطنيه العاملين بالسرّ في القارّات الخمس. فإن أتى التحويل، اغتنى واستقرّ واشترى «جِيباً» أكبرَ وخرج يدور به ويخلق الازدحام. وإذا كان الازدحام حاصلاً دونه، يشكو منه ومن «الحَيوَنة » الشعبية اللبنانية ومن شرطة سير بيروت ومن هيئة إدارة السير والآليات والمركبات التي توزّع رخص القيادة جِزافاً. وإن، ولسببٍ ما، في شهر كذا، لم يأت هذا التحويل: افتقده طبعاً و«افتقر» ومن ثم فَقِر. وراح يُمضي وقته مُكتئباً في نهر الفنون. وقتها، ينشغل باله على وضع الليرة فيسأل عنها، فيأتيه الجواب المباشر والمزمن: احتياطي الذهب ممتاز ولا خوف عليها، أي الليرة، بفضل كذا وكذا ... الى آخرها!
طبعاً أعزّائي، ما دامت ديون لبنان لا ولن تُسدَّد، سنظلّ مدينين ويظلّ احتياطي الذهب ممتازاً «بشكل أو بآخر». السؤال هنا: ما أو من هما هذان «الشكل» أو «الآخر»؟