دمشق | لليوم الثاني، يتواصل الهجوم على قناة «الدنيا» وتقريرها الميداني الشهير عن مجزرة «داريا» (الأخبار 27/8/2012) التي راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء من بينهم أطفال ونساء. هذه المرة، دخل الفنانون والإعلاميون بقوة على الخط ليهاجموا صاحبة التقرير ميشلين عازر التي تهرّبت من الرد على منتقديها وكشف سبب ارتكابها هذا الخطأ المهني الفادح. حين اتصلت «الأخبار» بالمذيعة السورية أمس، طلبت وقتاً قصيراً لتجهيز ردها والاطلاع على الحملة الموجّهة ضدها، لتعود وتمتنع عن الرد على اتصالاتنا المتكررة. لعلّها انتبهت إلى أنّها في موقف لا تُحسد عليه إثر تقريرها الذي حصد «شهرة» كبيرة غطّت على خبر المجزرة نفسها.
حتى إن التعليقات ملأت صفحات الفنانين والإعلاميين والمشاهير. «رابطة الصحافيين السوريين الأحرار» وجّهت نداءً إلى اليونيسيف والمنظمات المعنية بالطفولة لإدانة تقرير «الدنيا»، وفندت على فايسبوك جزئيات اختراق التقرير للمهنية ولقداسة الموت. وعبر صفحته على الموقع الأزرق، شنّ هيثم حقي هجوماً، فكتب: «فوق هول المجزرة تأتي هذه المذيعة لتحفر الجرح الدامي بسكين ميكروفونها البشع بجنون لا يصدق. كيف يمكن عاقلاً أن يجري حواراً مع امرأة جريحة وسط جثث؟ وتقدم المذيعة للقاء بعد استعراض الكاميرا للجثث بأنّ هناك امرأة لا تزال على قيد الحياة وتقترب لتسألها: من أطلق عليك النار؟ والأبشع من ذلك، السيارة التي فيها طفلتان إلى جانب جثة أمهما. وهذه المذيعة السادية في تقرير ليس كاذباً فقط، بل يبعث على الاشمئزاز، تقترب من الطفلة الموجودة في حالة صدمة مروّعة وتسألها ببرود من التي بجانبك؟ هل كنا نعيش مع هؤلاء الوحوش ونتنفس الهواء نفسه وننتمي إلى البلد نفسه ولناسه الطيبين؟»، سأل «شيخ المخرجين السوريين» في نهاية تعليقه. فيما كتب المخرج الشاب محمد عبد العزيز نصّاً هجومياً لاذعاً بحق المذيعة وأداء المحطات الإعلامية عموماً قال فيه: «حسب الإعلام المغرض والشريف والغارق في قيم الشرف، ليس ثمة ما يحرم عليك أن تجلس في المطبخ أو في الهواء الطلق وتأكل رأس إنسان ميت (...) بعدسة الكاميرا كما فعلت الأخت على تلفزيون «الدنيا» التي لم يكن ينقص تقريرها الجذاب إلا أن تبقر بطون الجثث وتلوك أكبادهم على طريقة هند بنت عتبة». ثم استطرد صاحب «دمشق مع حبي»: «من أين يأتي هذا النهم العميق لإشباع غزيرة النهش وصقل المبررات الموجبة لفعل ذلك؟». نضال معلوف، رئيس تحرير «سيريا نيوز»، أحد أكثر المواقع السورية شهرة، علّق بأنّ التقرير «يفتقر إلى أدنى معايير الإنسانية قبل أن ننتقد أصول العمل الصحافي». كذلك، رأت الروائية والصحافية ديما ونوس أنّ أقل ما يقال في التقرير أنّه «عهر إعلامي». طبعاً نسي الكلّ أنّ التقرير لا تتحمّل عبئه المذيعة وحدها، وخصوصاً أنّ المسؤولين في «الدنيا» اشتهروا بأنّهم يفاجأون بموادهم التلفزيونية بعد بثها على الهواء. وعندها فقط يتفرغون لتقويمها بناءً على آراء أصدقائهم ومحبيهم! طبعاً، يجري كل ذلك رغم حساسية الظروف التي تشهدها سوريا، وتنطُّح تلفزيون «الدنيا» لـ«فضح أكاذيب الإعلام المغرض الذي يحرّض على الدم»، على حد زعمه، بينما لم يتوانَ تقرير عازر عن العبث بهذا الدم!