تتسارع التطورات في مدينة عدن جنوب اليمن، مُشكّلةً ما يبدو أنها معالم مرحلة جديدة تُقبل عليها هذه المدينة التي بات احتمال تصاعد «الصراع العنقودي» داخلها أكبر من أي وقت مضى. مردّ ذلك وصول الأطراف المجتمعين «على كره» إلى نقطة تحتّم على كل منهم حسم مواقفه، وتظهير ما يضمره اتجاه منافسيه إلى العلن؛ بالنظر إلى أن الإبقاء على الوضع السابق يعني انكسار أحدهم لا محالة.
حتى الآن، لا شيء يشي بعودة «الكباش» السعودي - الإماراتي على الجنوب إلى وتيرته التي كان عليها قبيل وصول محمد بن سلمان إلى سدة ولاية العهد، على الرغم من أن ظاهر الأمور يوحي بما تقدم. إلا أن تزامن «الإقبال» السعودي المستجد على عدن مع مساعي الإمارات في إعادة هيكلة قوات «الشرعية»، يشي بأن ثمة تقاسماً للأدوار بين الجانبين، وبأن المطلوب اليوم تخفيف حدة الصراعات البينية لمصلحة المعركة ضد «أنصار الله».
هذا «الالتقاء» يظهر أن رجالات أبو ظبي في الجنوب سيكونون أول ضحاياه. وهو ما يحملهم على اتخاذ مواقف تصعيدية من شأنها، إذا ما تحولت إلى خطوات عملياتية، تفجير الخلافات المشتعلة تحت الرماد منذ أشهر. يوم أمس، أعلنت قيادات من «المقاومة الجنوبية» «حالة الطوارئ» في عدن، مُمهِلة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، أسبوعاً لإقالة رئيس حكومته، أحمد عبيد بن دغر، قبل البدء بإجراءات إسقاط هذه الحكومة من أجل استبدالها بـ«حكومة كفاءات وطنية». وجددت تلك القيادات، عقب اجتماعها برئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المحسوب على الإمارات، عيدروس الزبيدي، رفضها «أي نشاط عسكري لأي قوات شمالية مسلحة على أرض الجنوب أو مسؤولين شماليين، سواء داخل الشرعية أو خارجها». كما أعلنت رفضها «عقد أي اجتماع لمجلس النواب اليمني في عدن أو أي محافظة جنوبية». لكنها أكدت «الاستمرار في الشراكة مع التحالف العربي»، مبدية استعدادها لـ«دعم أي قوات شمالية بقيادة التحالف لتحرير الشمال».
مواقفُ، على الرغم من إعلائها سقف المواجهة مع «الشرعية»، إلا أن دون ترجمتها على الأرض عوائق متعددة، تبدأ من الانقسامات داخل «المقاومة» نفسها، ولا تنتهي عند احتمال انزلاق العنف على نحو غير محسوب. لم يكد يبدأ اجتماع أمس حتى أعلن القيادي في المقاومة، عادل الحالمي، انسحابه منه، عازياً ذلك إلى «تفاجئنا بأن الأمور معدة مسبقاً»، وبأن «لا وجود للمقاومة الجنوبية»، رافضاً «تهميش المقاومة الجنوبية الحقيقية أو أن يكون أحد وصياً عليها».

خطط إماراتية
لجعل قاعدة العند مركز ثقل طارق صالح وشقيقه عمار

وفي وقت كان ينعقد فيه اجتماع «الانتقالي» في فندق «كورال عدن»، كانت قيادات أخرى من «المقاومة» تواصل اجتماعاتها مع قيادة قوات «التحالف» في عدن في محاولة للتوصل إلى تسوية بشأن تواجد نجل شقيق الرئيس السابق، طارق صالح، وكتائبه في المدينة، وسط أنباء عن ترددها بين ضغوط الإمارات التي تحاول إقناعها بالعدول عن التصعيد، وبين إغراءات حكومة هادي التي تواصل تحريضها على رفض وجود صالح وإن تطلب الأمر اقتحام المعسكر الذي يقيم فيه. يُضاف إلى ذلك أن التهديدات الصادرة عن «الانتقالي» لا تكتسب كبير مصداقية لدى المراقبين والناشطين الجنوبيين؛ بالنظر إلى أن تهديدات المجلس السابقة آلت جميعها إلى الخفوت. وما مشروع «لجنة التصعيد الشعبي» التي كان يُفترض بها العمل على إسقاط حكومة «الشرعية» في عدن إلا دليل على «مراوغة الانتقالي وكذبه» أو «ضعفه وفشله» بحسب هؤلاء.
على ضوء تلك المعطيات، يظهر أن الدخول السعودي على خط «الملف العدني» المُلزَّم للإمارات يستهدف غايتين رئيستين: أولاهما المساهمة في حلحلة العقد التي تعترض مساعي «التحالف» في توحيد قوات «الشرعية» بوجه «أنصار الله». في هذا الإطار، يدور الحديث عن خطط إماراتية، يجري التحضير لتنفيذها بالتنسيق مع الرياض، تستهدف جعل قاعدة العند الواقعة في محافظة لحج (المجاورة لعدن) مركز ثقل طارق صالح وشقيقه عمار، اللذين تفيد بعض المعلومات بأنهما سيتوليان تدريب مقاتلين سلفيين وآخرين من جهاز الأمن القومي بهدف الدفع بهم إلى معارك مع «أنصار الله» في محافظة البيضاء. كذلك، تتحدث مصادر أخرى عن استدعاء ضباط جنوبيين من محافظتي أبين ولحج، سبقت لهم الخدمة ضمن قوات «الحرس الجمهوري»، إلى مدينة المخا، تمهيداً لعمليات تصعيدية جديدة في الساحل الغربي. يبدو الأمر، بالنسبة إلى مراقبين، أقرب ما يكون إلى عملية تأهيل لأقرباء الرئيس السابق والمحسوبين عليه، بهدف تحويلهم إلى كيان يشابه قوات خليفة حفتر في ليبيا.
على مستوى آخر، تتطلع السعودية - وهذه هي الغاية الثانية - إلى تخفيف الضغوط المتصاعدة عليها وعلى قيادة «التحالف» عموماً بشأن تردي الأوضاع المعيشية في «المحافظات المحررة». غاية لم تأتِ زيارة السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الخميس الماضي، إلى مدينة عدن، ولقاؤه وزير المالية ومحافظ البنك المركزي، وتباحثه معهما بشأن الوديعة السعودية الجديدة في «المركزي»، إلا في إطارها. وفي هذا الاتجاه أيضاً، كان تفقد آل جابر لميناء عدن، وإجراؤه مباحثات مع المحافظين والمسؤولين الأمنيين والقيادات العسكرية ورجال الأعمال، وطلبه إليهم إعلامه باحتياجاتهم والمعوقات التي تعترض عملهم، تمهيداً لـ«تقديم التسهيلات اللازمة». في خلفيات ذلك المشهد، تظهر تصريحات رئيس حكومة هادي التي هاجم فيها «التحالف» قبل أيام، داعياً إياه إلى تحمل مسؤوليته في «وقف انهيار الريال». تشير بعض التقديرات إلى أن تلك التصريحات ربما تكون استباقاً لقرار سعودي باستبدال بن دغر (يتم تداول اسم صالح باصرة لرئاسة الحكومة)، تم تأخيره إلى ما بعد زيارة آل جابر، حتى لا يبدو الأمر وكأنه ابتزاز لـ«الشرعية» بواسطة وديعة الملياري دولار.
أياً يكن، فإن السعودية والإمارات تجدان نفسيهما اليوم أمام تحدي لململة شتات حلفائهما، وكبح جماح التوتر المتصاعد في معسكرها. توتر يمثل الجدل بشأن الجلسة النيابية التي تعتزم «الشرعية» عقدها في عدن الشهر المقبل سبباً إضافياً من مسبباته إلى جانب ما أنف ذكره. يرفض «الانتقالي» انعقاد هذه الجلسة في المدينة، فيما يؤكد بن دغر أن «مجلس النواب سيعقد في شهر فبراير (شباط) اجتماعاً في عدن لإقرار الموازنة» (التي أعلنتها حكومة هادي أمس بعجز بلغ 33% من حجمها). وما بين المعسكرين، تبدو قيادة «التحالف»، بالنسبة إلى مراقبين، معنية بإيجاد تسوية سريعة وعملية، تحت طائلة اندلاع نزاع مسلح لا تنقصه الأسباب الموجبة، بقدر ما هو مؤجل منذ فترة طويلة.