جيزان | شهد اليومان الماضيان تغييرات ميدانية كبيرة نقلت المواجهة اليمنية ــ السعودية إلى عمق المملكة، التي خسرت عدداً من معسكراتها الاستراتيجية على جبال رئيسية ومهمة. العملية نوعية وواسعة ومعقّدة، كما تصف مصادر عسكرية، التي أكدت أنها نُفّذِت وفق مخطط يوازي بإحكامه التعقيدات الميدانية التي يتمترس خلفها الجيش السعودي منذ انطلاق معارك الجبال الاستراتيجية في جيزان، قبل عام ونصف عام، عندما نجح المقاتلون اليمنيون في السيطرة على جبل الدود.
وفي الأيام الماضية، سيطرت القوات اليمنية على ثلاثة جبال (ملحمة والغاوية والفريضة) وعشرات المواقع والثكنات، واختتمت العملية بالسيطرة على معسكر الجابري الذي هو أحد أهم معسكرات الجيش السعودي جنوب جيزان.
ومهّد نجاح المقاتلين اليمنيين في السيطرة على جبل ملحمة الطريق للوصول إلى كل المواقع السعودية في أسفل الجبل وعلى سفحه، وصولاً إلى الإشراف على مناطق جديدة من محافظة الحرث الجيزانية. وهذه المناطق كانت قبل العملية الأخيرة بمنأى عن نيران المقاتلين اليمنيين المتوسطة والخفيفة.
وملحمة من أهم الجبال الاستراتيجية في خريطة المعارك، وهو في الأساس يمني، لكن احتلته السعودية وضمته إلى أراضيها عقب «ثورة» 2011، وهو ما أكسب القوات السعودية مزايا ميدانية متعددة وسهّل عليها عملية حماية عشرات المواقع العسكرية الواقعة أسفل الجبل باتجاه الغرب أو على سفحه باتجاه مدينة الخشل شرقاً.
ووفق مصادر عسكريّة، شاركت في العملية، أنجزت القوات اليمنية المهمة «خلال مدة قصيرة نسبياً، مقارنةً بالمساحة التي تمت السيطرة عليها، وذلك في نحو اثنتي عشرة ساعة، ما يجعل هذه العملية الأقصر والأوسع في تاريخ معارك المقاتلين اليمنيين مع الجيش السعودي». وفي التفاصيل، فإنه بعد السيطرة على ملحمة تم إسقاط كل من الغاوية والفريضة، ثم بلوغ معسكر الجابري الاستراتيجي، وهي مواقع تتفاوت أهميتها تبعاً لعدد الثكنات السعودية الواقعة فيها أو التي تُطل عليها.
تجدر الإشارة إلى أن الغاوية منطقة واسعة تشمل قرية سكنية وتلالاً جبلية متوسطة الارتفاع تتسلسل من نهاية جبل الفريضة حتى بداية جبل الدود. أما جبل الفريضة، فيكتسب أهميته من تركيبته الجغرافية، لأنه مشكّل من مجموعة مرتفعات واقعة في العمق السعودي ومشرفة على عدد من القُرى (كعب الجابري، العبادية، قائم زبيد وغيرها)، بالإضافة إلى مركز مدينة الجابري.
وكان الجيش السعودي قد أنشأ معسكراً جديداً في الجابري عام 2010 عقب انتهاء الحرب السادسة التي سيطرت خلالها حركة «أنصار الله» على منطقة الجابري. لذلك، سيكون لسقوط معسكر سعودي بهذا الحجم الكبير تداعيات على سير المعارك ستصب في مصلحة صنعاء إذا استمر تغيير المعادلات على هذا النحو.
ووفق المتابعة، نجحت القوات اليمنية في تجاوز التحصينات والخطوط الدفاعية للجيش السعودي والوصول إلى العمق، ما يضمن تأمين كل الإنجازات السابقة في المنطقة، وذلك استعداداً لخوض مرحلة جديدة من الردع معزولة كلياً عن المراحل السابقة وتأثيراتها. كما أن ما حدث منحها مساحة واسعة تتيح لها إدارة قواتها لتعزيز وتأمين السيطرة على المنطقة، وتمكنها من توجيه نيرانها صوب أهداف جديدة، لعل منطقة الخشل وما يليها تكون اللاحقة لها تباعاً.
وعن الخسائر التي تكبدها الجيش السعودي، يقول مصدر ميداني إن «أعداداً كبيرة من الجنود السعوديين لقوا مصرعهم... تقريباً نحو خمسين جندياً، إلى جانب إحراق عدد من الآليات والمدرعات ومخازن الأسلحة»، مشيراً إلى أن «الطيران السعودي شن عشرات الغارات الجوية بهدف إعاقة التقدم. وبعد إخفاقه في ذلك، قصف مخازن الأسلحة التابعة له».
وأثبتت الأيام الماضية أن الجيش السعودي بات فاقداً أي أوراق جديدة للضغط عسكرياً والسيطرة على الأرض، وأن رهانه على تعدد جبهات الداخل غير مجدٍ في ظل تسارع التطورات الميدانية والإنجازات التي يحرزها اليمنيون داخل الأراضي السعودية، فضلاً عن إشكالية الصواريخ البالستية التي باتت تصيب قواعد ومطارات ومراكز اقتصادية بالغة الأهمية. يذكر أن أزمة الصواريخ باتت تتصاعد على الرياض في الأسبوعين الأخيرين بعدما قصفت محطة لتكرير النفط في ينبع بصاروخ بعيد المدى، ثم قصفت أكبر قاعدة جوية في المملكة، في الطائف بعدة صواريخ دفعة واحدة. ومساء السبت الماضي، أعلن مصدر عسكري يمني فتح جبهة قتال جديدة ضد الجيش السعودي في المناطق الواقعة شرق جيزان، حيث نفّذ مقاتلون يمنيون هجوماً مباغتاً على جبل العالي في منطقة الداير. وأكّد المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، مقتل عدد من الجنود السعوديين وجرح آخرين في العملية وإحراق عدد من الآليات.
تأتي كل هذه التطورات عقب الخطاب الأخير لزعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، الذي أعلن فيه أن تصعيد قوى العدوان سيواجه بالتصعيد من الجيش اليمني و«اللجان الشعبية».
إلى ذلك، حذرت «القوة البحرية» للجيش واللجان، تحالف العدوان، من «تحويل البحر إلى مواجهة»، مكررة في بيان أمس، أن «التصعيد سيقابله تصعيد».