يركّز رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مساعيه على محاولة تخطي قضايا الفساد المثارة ضده، عبر إيجاد ما يمكن وصفه بـ«شبكة أمان» متفق عليها أو مفروضة، على شركائه في الائتلاف الحكومي، ليعوق أو يقلص أو نظرياً يزيل، فاعلية وتأثير إمكان اتهامه الفعلي بعدد وازن من قضايا الفساد، ومن ثم تحويله إلى المحاكمة.أهم الأساليب التي كان من المتوقع أن يقدم عليها نتنياهو للضغط على شركائه في الائتلاف، ودفعهم إلى الاصطفاف إلى جانبه ودعمه إلى ما بعد اتهامه وصدور قرار الإدانة بحقه، الذي يراهن على أن يمتد سنوات، هو التهديد غير المباشر بانتخابات مبكرة للكنيست، يدرك سلفاً أن لا أحد يريدها من شركائه في الائتلاف. ما كان يعترض نتنياهو فعلياًَ، هو السبب الذي يستند إليه للتهديد بتقديم موعد الانتخابات، الذي لا يريد أن يكون على خلفية قضايا الفساد المثارة بحقه، بل بناءً على أسباب أخرى لا تتعلق به مباشرة، ومن شأن الاستناد إليها لتفكيك الائتلاف الحكومي، أن تشكّل سجالاً مغايراً عن قضايا في الحملات الانتخابية.
قبل أيام، طفت على الساحة السياسية في إسرائيل، أزمة لا يبعد أن يكون نتنياهو شريكاً في إيجادها أو في حدّ أدنى تسعيرها، هددت وما زالت بتفكيك الائتلاف والتوجه إلى انتخابات مبكرة، ما لم يقدم نتنياهو على إيجاد حل لها. الأزمة جاءت على خلفية قانون التجنيد وفرض الخدمة العسكرية على «الحريديم» الذي قابلته الأحزاب الدينية بطلب إقرار قانون إعفاء من التجنيد تحت ضغط رفض التصويت على قانون الميزانية خلال الشهر الحالي. هذا «الابتزاز» رفضه في المقابل عدد من الشركاء في الائتلاف، من بينهم وزير الأمن رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، وكذلك وزير المالية رئيس حزب «كولانو» موشيه كحلون، الذي هدد بالانسحاب من الحكومة، وبالتالي إسقاطها، ما لم تقرّ الميزانية في موعدها.
وأزمة قانون تجنيد الحريديم هي الفرصة التي كان ينتظرها نتنياهو، لوضع شركائه في الحكومة أمام خيارين اثنين: حل الأزمة مع التزام كل الشركاء في الائتلاف العمل على بقاء الحكومة حتى استحقاق الانتخابات المقبلة أواخر عام 2019، أو التوجه إلى انتخابات مبكرة، خلال ثلاثة أشهر، يدرك الجميع أن لا مصلحة لأحد في إجرائها إلا نتنياهو نفسه، مع توقع فوزه بعدد كبير من المقاعد النيابية، ما يعني إمكان تشكيل ائتلاف حكومي جديد، يكون معنياً بتطبيق النص الحرفي للقانون الذي لا يلزم رئيس الحكومة بالتنحي والاستقالة في حال توجيه اتهامات بحقه، ما لم تصدر الإدانة المبرمة من المحكمة.
يتجه نتنياهو إلى قلب التهديد إلى فرصة مؤقتة تمكنه من تمديد فترة بقائه السياسي


عملياً، يتجه نتنياهو إلى قلب التهديد إلى فرصة، وإن كانت من ناحية عملية، فرصة مؤقتة تمكنه من تمديد فترة بقائه السياسي وتقليص التأثير السلبي إذا وُجِّهت إليه لوائح اتهام بالقضايا المثارة بحقه. هل يتوصل نتنياهو إلى «إلزام والتزام» شركائه الوقوف إلى جانبه ومساندته ومنع إسقاط الائتلاف حتى مع اتهامه؛ أو يتوجه إلى انتخابات مبكرة، تفضي إلى النتيجة نفسها مع شركاء جدد في ائتلاف جديد؟ الثابت إلى الآن أنّ كل مكونات الحكومة الحالية، عدا نتنياهو، يخشون من حل الائتلاف الحكومي والتسبب بانتخابات مبكرة، رغم كل المواقف المتطرفة والمتشددة التي صدرت عنهم.
وزير التربية، رئيس حزب «البيت اليهودي»، نفتالي بينيت، المنافس الأقوى لنتنياهو على الجمهور اليميني، حذّر الأخير من إسقاط الحكومة وتغليب المصلحة الشخصية على مصلحة الدولة واليمين، ورفض إجراء أي انتخابات مبكرة على خلفية قانون التجنيد، في حين أن مصلحته كحزب يميني ينافس حزب الليكود على الجمهور نفسه، أن تكون الانتخابات على خلفية قضايا فساد نتنياهو نفسه، وإلا فستكون النتيجة خاسرة من جهته.
وزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، الذي يطلق النار في كل الاتجاهات ويعلن رفضه أي قانون تجنيد لا يشارك الجيش الإسرائيلي في إعداده، يدرك في المقابل أن جمهور ناخبيه من الأصول الروسية ينتقل كما تشير استطلاعات الرأي إلى حزب «الليكود» وأحزاب علمانية أخرى، بعد خيبة أمل من ليبرمان وأدائه وابتعاده عن وعوده الانتخابية. انتخابات مبكرة من ناحية ليبرمان، تعني نتيجة كارثية لمستقبله السياسي.
الشريك الثاني في الائتلاف إلى جانب ليبرمان، الرافض لـ«ابتزاز» المتدينين والذي يهدد أيضاً بفرط عقد الحكومة في حال الاستجابة لطلبهم، هو وزير المالية موشيه كحلون. ورغم مواقفه المتطرفة، إلا أنه يدرك أيضاً أن معطيات نتائج استطلاع الرأي تتوقع نتائج كارثية لحزبه في حال إجراء انتخابات مبكرة، بل إن بعض الاستطلاعات تشير إلى إمكان قصور كحلون عن تخطي العتبة الانتخابية والتوجه إلى اختفائه من الحلبة السياسية. مع ذلك، يلوّح كحلون بالبطاقة الحمراء للجميع، ويهدد بإسقاط الحكومة، ما لم يُصدَّق على قانون الميزانية، الذي تربط الأحزاب الدينية التصديق عليه بإقرار قانون يمكّن الحريديم من التملص من التجنيد.
بدورها، الأحزاب الدينية، وتحديداً حزب «يهودت هتوراه» الذي حرك الأزمة الحالية ودفع إليها، يدرك أن الفرصة مواتية لـ«الابتزاز» من ناحية نظرية، وقد لا تكون لديه فرصة أخرى لفرض قانون تجنيد يتيح التملص الفعلي من الخدمة العسكرية للمتدينين. مع ذلك، يدرك «يهودت هتوراه»، أيضاً خطورة التوجه لانتخابات مبكرة، وإن كان متيقناً أن عدد مقاعده لن يتغير. من جهة هذا الحزب، لا ضمانة مستقبلية لما سيؤول إليه «الليكود» وتوجهاته في حال نجاحه، وهو سينجح في تشكيل الحكومة المقبلة، مع عدم يقين إزاء موقفه في حينه من قضايا الدين والدولة، تبعاً لنتائج الانتخابات وخريطة مواقع الأحزاب في أعقابها، غير الممكن رصدها وتقديرها بالكامل من الآن.
الثابت أن الكرة الآن في ملعب نتنياهو، الذي يدفع إلى تعقيدات إضافية للأزمة القائمة، مع ضغط كبير على شركائه في الائتلاف الحكومي لابتزاز موقف مساند له في حال توجيه لوائح اتهام بحقه. الثابت أيضاً، أن كل الأحزاب المتناقضة تتشدد في مواقفها وتهدد بفرط عقد الحكومة، مع إدراكها أن إسقاطها يضرّ مصالحها، وهو ما يدركه نتنياهو ويعمل بموجبه. الثابت أيضاً أن قرار نتنياهو لم يتخذ بعد رغم كل الإشارات المتضاربة الواردة من محيطه، إن كان سيتجه إلى انتخابات مبكرة، أو يكتفي بالتهديد بها لزوم تحقيق مصلحته في تأمين الحصانة والمساندة أمام الاتهامات القضائية المقبلة.