ما الذي حصل حتى انقلب الموقف الإسرائيلي من الاتفاق الروسي ــ الأميركي حول التهدئة في جنوب سوريا رأساً على عقب. أيام قليلة فصلت بين الترحيب بالاتفاق والترويج لأخبار صحافية تقول إنه جرى بالتنسيق مع تل أبيب، وبين إعلان «المعارضة الجارفة» له، بحسب ما صدر عن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، الذي علّل موقفه المستجد بالقول إن الاتفاق «يرسّخ الوجود الإيراني في سوريا».
صحيفة «هآرتس» تناولت خلفية التغيير الجذري الذي طرأ على مقاربة تل أبيب إزاء الاتفاق، فرأت أنّ تصريحات نتنياهو تكشف عن «خلاف شديد بين إسرائيل والقوتين العظميين (روسيا والولايات المتحدة) في الموضوع السوري»، مشيرةً إلى أن هذا الخلاف «جرى الحفاظ عليه حتى الآن في القنوات الدبلوماسية الهادئة ولم يتم التعبير عنه علناً». وأوضحت أنّ إسرائيل كانت قد أجرت محادثات مع مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية حول الاتفاق، من ضمنهم المبعوث الأميركي لمكافحة تنظيم «داعش»، بريت ماكغورك، والمبعوث الأميركي للشأن السوري، مايكل راتني، اللذان حضرا إلى إسرائيل خلال الأسابيع الماضية.

الهجوم على الاتفاق لن يدفع ترامب إلى الخروج منه
وفي سياق هذه المحادثات، عرضت تل أبيب سلسلة من التحفظات بشأن الاتفاق، وطالبت بأن يجري «استخدام المناطق العازلة كوسيلة لإبعاد إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية عن الحدود مع إسرائيل والأردن وعدم السماح بترسيخ الوجود الإيراني في سوريا». كذلك تحفظت إسرائيل، بحسب «هآرتس»، على تولّي قوات روسية مهمة مراقبة وقف إطلاق النار في المناطق العازلة. لكن ما حصل هو أنه «عندما وصل نص الاتفاق إلى إسرائيل، تبين أنه خلافاً لتوقعاتها، ولم يأخذ الروس والأميركيون مواقفها في الاعتبار تقريباً». وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين كبار، «كما هو حالياً سيّئ جداً ولا يأخذ في الاعتبار أي مصلحة أمنية لإسرائيل، ويخلق واقعاً مقلقاً في جنوب سوريا». وشدّد أحد هؤلاء المسؤولين على أن «الاتفاق لم يشمل أي كلمة صريحة عن إيران، حزب الله أو الميليشيات الشيعية في سوريا».
أيّاً يكن، فإن الموقف الإسرائيلي المستجد استدعى رداً روسياً بدا أنه يسجّل اعتراضاً على الاعتراض الإسرائيلي وآخر أميركياً بدا احتوائياً له. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن موسكو وواشنطن فعلتا ما في وسعهما للأخذ بعين الاعتبار المصالح الأمنية الإسرائيلية في إطار الاتفاق. وشدد لافروف، خلال مؤتمر صحافي أمس، على أن ممثّلي روسيا والولايات المتحدة عقدوا لقاءات تمهيدية مع جميع الأطراف المعنية، بما فيها إسرائيل، في سياق الإعداد للاتفاق. وفيما يعدّ رفضاً باللغة الدبلوماسية لمواقف نتنياهو، نفى لافروف معرفته بمضمون تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن هذا الموضوع، قائلاً: «ننطلق من أن القيادة الإسرائيلية على اطلاع تام على ما توصلنا إليه».
أما في واشنطن، فقد أكد مسؤول في البيت الأبيض أن «إدارة الرئيس دونالد ترامب تشاطر رئيس الوزراء الإسرائيلي مخاوفه حول وجود إيران في جنوبي سوريا وتعمل مع إسرائيل لمنعه». وقال المسؤول الأميركي لصحيفة «جيروزالم بوست» أمس «إن الهدف الرئيسي للسياسة الاميركية في سوريا هو ضمان عدم وجود فراغ يمكن أن تملأه إيران»، مؤكداً أنّ الإدارة الأميركية بقيت على «اتصال وثيق مع إسرائيل طوال هذا الجهد (بلورة الاتفاق)». وأضاف المسؤول نفسه أن وزير الخارجية الأميركي، ريكي تيلرسون، «أوضح بشكل كبير أننا ملتزمون بالتوصل إلى اتفاق يخفف من حدة العنف وينقذ الارواح ويتعامل أيضاً مع المخاوف الامنية الحقيقية لجيران سوريا، بما فيها إسرائيل، وستستمر هذه الجهود ومشاوراتنا المكثفة مع إسرائيل».
في السياق، كتب معلق الشؤون الإقليمية لصحيفة «هآرتس»، تسفي بارئيل، أن ما تحاول إسرائيل فعله عبر موقفها الرافض للاتفاق الأميركي ــ الروسي هو جعل نفسها شريكاً في عملية الحل السياسي والعسكري للحرب في سوريا. ورأى الكاتب أن إسرائيل «خلافاً للسياسة السابقة التي حاولت فيها أن تقدم نفسها، نظرياً، على أنها غير معنية بالحرب السورية، لكنها سعت في الواقع إلى العمل وراء الكواليس على تنمية علاقات مع جزء من الميليشيات... وشاركت في المداولات التي حصلت في الأردن مع ممثلين أميركيين وروس بشأن مستقبل المنطقة الأمنية، تضع نفسها الآن على خط النار الدبلوماسي». وشبّه بارئيل معركة نتنياهو الحالية حول الاتفاق الروسي الأميركي بمعركته ضد الاتفاق النووي مع إيران، داعياً إياه إلى التريّث قبل صعود جبل مرتفع مرة أخرى. وحذر من أن إسرائيل «بمعارضتها للاتفاق، وخصوصاً تقديمها له وكأنه تخلٍّ أميركي عن تعهدات أعطيت لها أو كفشل أميركي، تزجّ بنفسها داخل ميزان قوى مكانتها فيه دونية، تحديداً بسبب السياسة الأميركية في سوريا». وشرح الكاتب ما يعنيه بالقول «إن هذا الاتفاق يُعتبر في نظر الرئيس الأميركي إنجازاً سياسياً لكونه اخترق الطريق المسدود في علاقاته مع بوتين... والهجوم الإسرائيلي على الاتفاق لن يدفع ترامب إلى الخروج منه، بل قد يضع إسرائيل على مسار تصادمي مع الإدارة الأميركية». ورأى أنه «إذا كانت إسرائيل تبحث عن عنوان للجرم، فهو موجود في موسكو التي التزمت علناً أخذ مصالحها الأمنية في الحسبان، بل ووافقت على مشاركتها في محادثات الأردن حول المناطق الأمنية».