من شارع «أريستيديس مايور» في منطقة «دليس كورتيس» تبدأ الرحلة الجميلة إلى ملعب «كامب نو». فمنذ لحظة الخروج من محطة «المترو» يمكن لأي زائر لمدينة برشلونة الإسبانية أن يشعر بأن هذه المنطقة تضم الصرح الكبير المعروف باسم «كامب نو»، والذي يتوسّط المدينة المتوسطية ناشراً في كل أرجائها رائحة الانتماء للنادي الكاتالوني الكبير.
شارع شعبي ومتواضع مقارنةً بالشوارع الأخرى في المدينة المعروفة بجذبها ملايين السياح سنوياً. لكن لا شاطئ «بارسيلونيتا» الجميل أو الكورنيش البحري (باسييو ماريتيمو) الذي يضم أشهر أماكن السهر هم من يجذبون سكان الأرض، فهناك الملعب الكبير الذي صُنّف أيضاً بين الأماكن الأكثر زيارةً من قبل السياح في إسبانيا كلّها.
هو أصلاً يعكس التاريخ القديم للمدينة الذي قرأ عنه كثيرون، فشُيّد حول أزقة لا تشبه تلك الشوارع التي تتمتع بهندسة مدنية منظّمة وجذابة، على غرار «باسييو دي غراسيا» حيث محلات التسوّق، أو «بلاثا كاتالونيا»، أو «لا رامبلا» الشعبيتان.
وكما تبدو الأبنية بعيدة عن كل مظاهر الفخامة في تلك المنطقة، هكذا تبدو المنشآت الخاصة بنادي برشلونة، وملعبي «كامب نو» المخصص لكرة القدم، وقاعة «بالاو بلاوغرانا» التي ترتبط بفريق كرة السلة في النادي.
الملعب الكبير الذي افتتح عام 1957، لم يعرف أي أعمال تجديد جذرية منذ فترة طويلة، رغم أنه يعدّ أكبر ملاعب أوروبا كونه يتسع لـ 99354 متفرجاً، ويعتبر من فئة «الخمس نجوم» بحسب تصينف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الذي لم يمنح هذه الصفة إلا لقلّة من الملاعب الأوروبية.
«كامب نو» ورغم شهرته الواسعة يبدو على صورة قلعة أثرية قديمة ومهملة من الخارج والداخل حيث ترك النجوم الكبار إرثهم التاريخي على المستطيل الأخضر الذي يتوسّط تلك المدرجات المرتفعة كالجبال، والتي تمنح كل متفرّج إمكانية متابعة المباراة من دون أي مشكلة في الرؤية.
خطوة إضافية
ستكون حاضرة ومتصلة بالملعب أيضاً، وهي إنشاء إستاد بسعة 6000 متفرج ويحمل اسم يوهان كرويف

هنا أمتع «الهولندي الطائر» يوهان كرويف، و«الأسطورة» الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا و«الظاهرة» البرازيلي رونالدو ومواطنه «الساحر» رونالدينيو، وطبعاً «أيقونة» العصر الحديث الأرجنتيني ليونيل ميسي. ومن هنا أخذ هؤلاء الكؤوس المختلفة وأدخلوها إلى قلب النادي، حيث يجول الزائرون من مختلف أنحاء العالم ليستمتعوا باللحظات الموثّقة والرائعة.
لكن رغم ذلك لا يلتقي هذا الملعب مع تطلعات برشلونة ولا يتساوى مع حجم هذا النادي وما أصابه من إنجازات في الألفية الجديدة.

زمن التغيير بالملايين

من هنا، كان القرار التاريخي ببدء عملية تحديث الملعب، والتي ناقشتها إدارة برشلونة عام 2008 احتفالاً بالعيد الـ 50 لهذا الصرح، لكنها سرعان ما توقّفت بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية التي تأثر بها الإسبان بشكلٍ كبير. وعادت الفكرة لتُطرح قبل عامين وحُدد عام 2016 للشروع ببدء العمل بالمشروع، قبل أن يجري النادي الكاتالوني مناقصة في العام الماضي منحت شركة يابانية عقداً لتغيير شكل الملعب ومحيطه مقابل 420 مليون يورو، إلى إضافات سيدفعها «البرسا» تقدّر بحوالى 27 مليون يورو، لتصل الكلفة النهائية إلى 447 مليوناً. ولهذا السبب تخطط إدارة برشلونة لبيع اسم الملعب للمرة الأولى في تاريخها، ولتكسر قاعدة تاريخية ثانية بعد الأولى عندما وضعت إعلاناً على قمصان الفريق.

خطوات تطويرية ثورية

أما الخطوات المستقبلية المفترض أن ينتهي العمل بها عشية انطلاق موسم 2022-2023، فتبدأ من خلال زيادة قدرة استيعاب الملعب والتي ستصل إلى 105 آلاف متفرج. والتجديد سيبدأ من سقف الملعب الذي أُوقف مشروعه سابقاً لأسبابٍ استثنائية، حيث قررت السلطات عدم السماح لبرشلونة بالإقدام على هذه الخطوة كون الطيور اعتادت على زرع أعشاشها حول السقف، الذي سيكون في صورته الجديدة قادراً على تخزين مياه الأمطار لاستخدامها لاحقاً في عملية ريّ أرض الملعب، إضافةً إلى توليد طاقة كهربائية ستُستخدم في عملية تنمية العشب عبر الإضاءة الخاصة.
خطوة إضافية ستكون حاضرة ومتصلة بالملعب أيضاً، وهي إنشاء إستاد بسعة 6000 متفرج ويحمل اسم يوهان كرويف تخليداً لذكراه، حيث سيستعمله الفريق الرديف. كما سيُعمل على أن تكون مدينة «جوان غامبر» حيث ملاعب التمارين متصلة بدورها بالملعب الأم.
وإلى الخطوة الثالثة وقاعة كرة السلة القديمة أيضاً، اذ ستتحول «بالاو بلاوغرانا» إلى قاعة حديثة تتسع لـ 12 ألف متفرج.
ستصل كلفة مشروع تحديث الملعب إلى 447 مليون يورو على أن يتم تأمين نصف المبلغ تقريباً من خلال بيع الاسم
كل هذه الخطوات التي يفترض أن يبدأ العمل بها السنة المقبلة، ستُقسّم على مدار أربع سنوات، ولا يخفى أنها ستكون منتظرة كون الشركة اليابانية المكلّفة بالهندسة سبق أن عملت على مشاريع ناجحة عدة في اليابان (مشروع «كامب نو» هو الأول لها في أوروبا)، مثل «سايتاما سوبر أرينا» و«نييغاتا ستاديوم».
وبالتأكيد لن يخرج اليابانيون عن روح الملعب الحالية، بل ستكون مهمتهم تأمين أكبر راحة لزواره إن كان في عملية الدخول أو الخروج أو حتى من خلال وجود المرافق المتصلة بالملعب من مطاعم ومقاهٍ ومتاجر، التي تُعدّ أيضاً أساسية في عملية تنشيط الدورة الاقتصادية، المفترض أن تدرّ أرباحاً كثيرة ستعوّض على «البرسا» ما دفعه في عملية التحديث. وبرشلونة أصلاً حريص على إبقاء الروح الكاتالونية في كل المشروع، فكانت خطوة التعاقد مع المهندس المعروف جوان باسكوال ليحرص على خروج الصورة العصرية بشكلٍ يتشابه مع رمزية الملعب والثقافة العامة، وليبقى القُبلة الأساسية للزوار في المدينة الكاتالونية وقلبها النابض بالإثارة والحياة.
إذاً عاد نادي «البلاوغرانا» لتطبيق شعاره على أرض الواقع عبر مشروعٍ كبيرٍ آخر، إذ إنه يريد دوماً التأكيد على أنه أكثر من نادٍ لكرة القدم، فهو مؤسسة رياضية بكل ما للكلمة من معنى شعارها التفوّق في كل الرياضات الأخرى (كرة السلة وكرة اليد والفوتسال والهوكي)، والميادين المتصلة بها، رغم أن كرة القدم كانت الأساس في إطلاق شهرته وجعلته محطّ أنظار المعمورة.