اشتباكات طرابلس الأخيرة سبقتها مجموعة زيارات قام بها كل من الشيخ المطلوب للقضاء اللبناني حسام صباغ، والشيخ نبيل رحيم الذي خرج أخيراً من سجن رومية، لمجموعة من شيوخ السنّة في عاصمة الشمال، المصنفين كحلفاء لحزب الله والنظام السوري. وأبلغ الشيخان مستقبليهم أن الوقت حان ليهجروا تحالفاتهم الحالية وينضموا إلى مشروع توحيد القوى السياسية الاسلامية السنية في طرابلس لمواجهة حزب الله والنظام السوري وايران، في ظل اتهامات يتداول بها في طرابلس لصباغ بشغل موقع امير القاعدة في الشمال.
وتفيد المعلومات عن حلول صباغ محل رجل القاعدة الأول في الشمال إثر اكتشاف الأمن اللبناني هوية الأخير قبل نحو 4 أشهر، بعد الشك برسالة هاتفية أوقف مرسلها خلال تسليمه مبلغاً من المال لكويتي ينتمي الى شبكة «القاعدة». والخطير في قضية صباغ هو دخول «القاعدة» على خط ترغيب الشيوخ السنة المؤيدين لحزب الله وترهيبهم، فضلاً عن دخول «القاعدة» بوصفها شريكة في أحداث المدينة، في ظل المعلومات المتداولة عن رغبات متعددة بإنشاء إمارة اسلامية في الشمال.
وعلمت «الأخبار» أن أحاديث الشيخين السلفيين أكدت في زياراتهما توجه القوى السلفية في طرابلس إلى بناء فضاء سياسي سلفي عقائدي في المدينة من لون واحد، يقضي بتخيير الرأي الآخر السني فيها، بين إعلان التوبة أو إخراجهم من المدينة. ولم تكن الزيارات بالتالي أكثر من «رمي الحجة الشرعية»، لتشن بعدها حرب عليهم بوصفهم خارجين على إجماع أهل السنة.
وشملت زيارات الشيخين كلاً من الشيخ عبد الكريم النشار والشيخ هاشم منقارة، إضافة إلى فاعليات من شباب الأحياء المحسوبين على قوى 8 آذار. واختتما زياراتهما بمطالبة مضيفيهما بإصدار بيانات تهاجم حزب الله وسوريا وايران. وخلال إحدى الزيارات، سأل المضيف زائريه عمّا يدفعهما إلى الطلب منه معاداة مجموعة مقاومة تقاتل اسرائيل، فأجاباه بأنهما أيضاً يحلمان بقتال اسرائيل، لكن حزب الله يمنعهما من ذلك ويحول دون تنفيذ السلفيين عمليات عبر الحدود، فما كان من مستقبلهما إلا أن غمرهما بأسئلته عمّا إذا كانا فعلاً يحتاجان إذناً للجهاد، وعمّا إذا كان حزب الله يفرض عليهما أيضاً التحالف مع سمير جعجع المتهم بقتل رئيس وزراء سني.
وفي نتيجة الزيارات والأحداث التي شهدتها المدينة، تتخوف بعض المراجع الأمنية والسياسية من ذهاب طرابلس صوب حرب داخلية دامية طويلة. ويمكن السلفيين الاستفادة من تحول مدينة حلب إلى نقطة مركزية لتنظيم «القاعدة» في معركتها العالمية وزحف عناصره من شتى أنحاء العالم باتجاهها. إضافة إلى وجود فائض في عديد المقاتلين في تنظيم «القاعدة» جراء نزوح المئات هرباً من الغزوة الغربية على معاقلهم في منطقة مالي الأفريقية لطردهم منها، ومباركة أطراف دولية لاحتشاد الجهاديين في الشرق لقتال النظام السوريّ.
والجدير ذكره أن مشروع إنشاء الإمارة الإسلامية في الشمال بدأ مع جماعة محمد زين العابدين بن نايف سرور، الذين يطلق عليهم داخل بيئة «القاعدة» اصطلاحاً تسمية السروريين. وهو كان قد بادر عشية اندلاع أحداث مخيم نهر البارد إلى إرسال مجموعة تتبع له وتضم كويتيين وليبيين وسوريين وفلسطينيين وجزائريين، بقيادة الكويتي أبو يعقوب الشمري. ورغم عديدها الضئيل، تمكنت المجموعة من إثبات تفوقها في نوعية العمل، واقترحت يومها على سلفيِّي الشمال هدفين: أولاً، إنشاء مجلس شرعي سلفي عريض تتمثل به كل اطياف القوى السلفية لتوحيد الكلمة وصياغة هدف مركزي يعمل لتحقيقه. وثانياً، انشاء مجلس عسكري سلفي غايته توحيد البندقية السلفية وجعلها الذراع العسكرية الاوحد في طرابلس بداية والشمال لاحقاً.
ورغم طرد السروريين يومها لخشية بعض الشيوخ السلفيين على مصالحهم الخاصة الضيقة، فإن الفكرة كما تبين الأحداث الطرابلسية الأخيرة لا تزال حاضرة بقوة. ويشيع سلفيو الشمال أن الأحداث الأمنية ستمكنهم في نهاية الأمر من السيطرة سياسياً وعسكرياً وعقائدياً على المدينة، وطرد كل القوى السنية ذات الرأي الآخر، وانشاء جبهة سياسية سلفية عريضة.
يذكر أن محمد بن نايف سرور إخواني سوري من درعا، هرب الى السعودية بعد أحداث حماه عام 1982، وهناك وجد احتضاناً كاملاً من الحركة الوهابية التي استقبلت في تلك الفترة كل النخب الإخوانية المطاردة من النظامين السوري والمصري.