تشبه مطاردة الاستخبارات الأميركية لأمير «كتائب عبد الله عزام»، ماجد الماجد، مطاردتها سابقاً للشيخ سراج الدين زريقات المنتمي الى «الكتائب» نفسها. فالمعلومات الأميركية للأمن اللبناني أدّت الى توقيف المطلوب السعودي قبل نحو أسبوع، فيما كان لها الفضل في لفت نظر استخبارات الجيش اللبناني الى صلة الشيخ اللبناني بتنظيم «القاعدة» عام ٢٠١٠، وساعدت على تعقبه حتى فراره من لبنان العام ما قبل الماضي.
والخلاصة الأساسية المستقاة من وقائع مطاردة زريقات والماجد، وغيرهما من الجهاديين البارزين، هي أن للاستخبارات الأميركية إمكانات كبيرة ومتنوعة لاختراق المجموعات التكفيرية في كل من سوريا ولبنان، ومراقبة نشاط أفرادها البارزين. أما الخلاصة الثانية فهي أن هذه الاستخبارات تقدم المعلومات للأمن اللبناني عن الإرهابيين في واحدة من ثلاث حالات: الأولى إذا كان لنشاطهم صلة بتهريب السلاح والمسلحين من لبنان الى العراق أو أفغانستان أو أي منطقة من العالم خارج سوريا؛ الثانية إذا اتصل نشاطهم بالتعرض لقوات اليونيفيل أو إسرائيل، والثالثة في حال مسّوا معادلة المساكنة بين المصالح الأمنية الدولية في لبنان.
والواضح أن زريقات والماجد المنتميين الى كتائب عبد الله عزام مسّا، على مدى الأعوام الأربعة الماضية، بالخطوط الحمر الثلاثة هذه. ويظهر ذلك جلياً من خلال سرد وقائع قصة تعقب الاستخبارات الأميركية لهما، منذ عام ٢٠١٠ في ما يتعلق بزريقات، وطوال العام الماضي في ما يخص الماجد.
تعقّب الماجد
تروي التقارير الاستخبارية الأميركية قصة الماجد بين لبنان وسوريا على النحو الآتي: «في ١٩ حزيران ٢٠١٢ أعلنت كتائب عبد الله عزام، عبر شريط فيديو، تسمية السعودي ماجد الماجد أميراً عليها، بعد اعتقال الاستخبارات الباكستانية سلفه صالح القرعاوي وتسليمه للسلطات السعودية. وفي نيسان من العام نفسه، خرج الماجد من مخيم عين الحلوة، برفقة مجموعة من أنصاره ومن أنصار فتح الإسلام الى سوريا، وفي نيته إبعاد أبو محمد الجولاني عن زعامة جبهة النصرة التي كانت لا تزال طرية العود، للحلول مكانه. لكن المجموعة المرافقة له انقسمت على نفسها، فانقلبت جماعة «فتح الإسلام» عليه وانضمت الى الجولاني. وكان لانحياز أسامة الشهابي وجماعته (فتح الإسلام) بالكامل لجبهة النصرة أثر كبير في شد عضدها، فيما انضمّ محمد توفيق طه وزياد أبو النعاج ومحمد الدوخي وعبد الرحمن الرفاعي الى كتائب عبد الله عزام تحت زعامة الماجد الذي عاد خائباً الى عين الحلوة». وبحسب التقارير الأميركية «فإن طه سيخلف الماجد أميراً لكتائب عبد الله عزام، وهذا ما تم التوافق عليه بينهما كثمن لطه لقاء انضمامه إليه في سوريا».
وبحسب المصادر الأميركية عينها، فإن الماجد، بعد بروز نجم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، انخرط في التنسيق معها في مواجهة صراعها الصامت أحياناً والعلني أحياناً أخرى للسيطرة على القرار الجهادي الإسلامي في سوريا. وفي الشهر العاشر من العام الماضي، ذكرت معلومات استخبارية أن تنظيم «الدولة» أدخل الى لبنان ١٦ ناشطاً بهدف بناء خلايا إرهابية، أورد التقرير أسماءهم، وأضاف إن مشغلهم هو السعودي عارف المكي المرتبط بأبو بكر البغدادي الذي أرسل الى لبنان في الفترة نفسها خمسة مندوبين عنه التقوا بماجد الماجد، بينهم عبد الملك الماجد وخالد العبد».
وبعد الربط الواضح الذي أنشاته المعلومات الاستخبارية بين بعض عمليات التفجيرات في لبنان، وبخاصة تفجيرا السفارة الإيرانية، وبين مسؤولية «كتائب عبد الله عزام» عنها، وضعت الاستخبارات الأميركية عينها على الماجد لإلقاء القبض عليه، تطبيقاً لتحذير كان قد أطلقه البنتاغون، مفاده أن على المجموعات المسلحة المناهضة للنظام السوري حصر عملياتها العسكرية في سوريا.
وبحسب المصادر عينها، فإن الاستخبارات الأميركية كثفت تعقبها للماجد منذ شهر تقريباً، وأسفرت تحرياتها عن معلومات عنه، أبرزها تردي وضعه الصحي نتيجة تفاعل مرض الكلى لديه. وعلمت منذ أسبوعين أنه في صدد زيارة أحد مستشفيات بيروت لإجراء عملية غسيل للكلى. وقد زودت استخبارات الجيش اللبناني بهذه المعلومة وبموعد وصوله من سوريا الى لبنان، فقامت الأخيرة بحصر كل المرضى الذين يجرون عمليات غسل كلى، لتنتهي عملية البحث عن الماجد الى حصر إمكانية وجوده في مستشفى أوتيل ديو، حيث كان يعالج أحد المرضى الأردنيين الذي تبيّن أنه ليس الشخص المطلوب، فيما تم التأكد من أن المريض ذا التصرفات الغامضة الموجود في مستشفى المقاصد هو فعلاً الهدف المطلوب. وقد حاول الماجد قبل ساعات من إلقاء القبض عليه الهرب، وخرج من المستشفى قاصداً في طريقه على ما يبدو الى سوريا، فنصبت استخبارات الجيش كميناً له في منطقة الجمهور. وبحسب المصادر عينها، فإن الهدف الثاني للاستخبارات الأميركية بعد الماجد هو نعيم عباس، الموجود في عين الحلوة، والذي سبق أن حاولت الاستخبارات الإسرائيلية قتله، وهو المسؤول عن معظم عمليات إطلاق الصواريخ «المجهولة» نحو فلسطين المحتلة.
الاستخبارات الأميركية وزريقات
وفقاً للمعلومات المتراكمة في ملف زريقات منذ عام ٢٠١٠ لغاية خروجه خلسة من لبنان نهاية عام ٢٠١٢، فإن الفضل في كشف صلته بـ«الخط الجهادي التكفيري»، يعود الى الاستخبارات الأميركية. وكان دافعها لذلك توفر معلومات لديها عام ٢٠١٠ بأنه يجنّد شباناً لبنانيين وفلسطينيين لإرسالهم للقتال في العراق وأفغانستان. وبداية قصة التعقب الأميركي له وردت في مراسلة استخبارية أميركية الى بيروت في أيلول ٢٠١٠، تطلب إيضاحات عنه. ولم تتضمن المراسلة حينها اسمه، بل قدمت بعض المواصفات العامة له، طالبة من الأمن اللبناني الاسترشاد بها للتعرف إليه وإخضاعه للمراقبة وفتح قناة تواصل أمني معها في شأنه. وبعد تمكن الأمن اللبناني من التعرف إلى كامل هوية زريقات، أخضعته الاستخبارات الأميركية لحركة تعقب لكل نشاطاته. وفي أواخر ٢٠١١ كشفت الاستخبارات الأميركية بحسب إخبارية أرسلتها لبيروت أنه يحضّر لاغتيال كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
ومع مطلع ٢٠١٢، زوّد الأمن اللبناني بوثيقة استخبارية جديدة عن زريقات تفيد بأنه ينوي التوجّه الى الجزائر بقصد الزواج، وللقاء ناشطين من «القاعدة». وأظهر رصد حركته لاحقاً صحة المعلومة الأميركية ودقتها. إذ سافر فعلاً الى الجزائر وتزوج بفتاة جزائرية تدعى روحية، وهي زوجته الثانية بعد ابنة الشيخ م. ب. وهو اصطحب، بعد عودته، زوجته الجزائرية الى مقر مديرية الأمن العام للاستحصال على إذن إقامة لها، لكن المديرية رفضت الطلب. وتابعت الاستخبارات تعقبه قبل أن يفرّ مع زوجته الى سوريا، بترتيب من المدعو محمد المحمد المعروف في أوساط السلفيين السوريين بـ«أبو بري»، والذي قتل قرب معلولا قبل 4 أشهر.