مع أن الاتفاق السياسي على التحالف بين الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل قد حُسم، إلّا أن تشكيل لائحة تضمّ مرشّحين عن هذه القوى لا تزال تعتريها معوّقات عدّة. ولا شكّ في أن الأجواء السلبيّة التي تطبع تحالفات القوات والمستقبل في غالبية الدوائر، بدّدها سعي جنبلاط لتشكيل التحالف الثلاثي، مع تقديم القوّات تنازلاً بالقبول بترشيح الوزير السابق ناجي البستاني ابن بلدة دير القمر، بلدة النائب القواتي جورج عدوان، مع تأكيد القوات أن التفاهم مع المستقبل أنجزه جنبلاط، وليس حوار القوات ــ المستقبل. وسُجّل ليل أول من أمس لقاء انتخابي بين عدوان وجنبلاط لمناقشة الأزمات التي تعاني منها اللائحة المفترضة. إلّا أن الاجتماع لم يتوصّل إلى نتائج حاسمة، مع ارتباط عقدتين أساسيتين بمرشّحي تيار المستقبل؛ الأزمة الأولى والمستمرّة هي غياب تمثيل برجا عن اللائحة الثلاثيّة، مع ترشيح الاشتراكي الدكتور بلال عبد الله وتمسّك المستقبل بمرشّحه النائب محمد الحجّار.
التيار الوطني يصرّ على إيلي حنّا، وأرسلان على أبو فاضل، واجتماع قريب مع باسيل

تلك المعضلة «لن تُحلّ» بحسب مصادر اشتراكية معنيّة بالمفاوضات، و«سنحاول التعويض بالانتخاب السياسي والحزبي للائحة عوضاً عن البحث عن إرضاء البلدات، بعدما حاولنا تمثيل برجا عبر تعديل أسماء مرشّحي حلفائنا». وتلك الأزمة التي تؤثّر بالحسابات الرقميّة على حاصل اللائحة الانتخابي، أضيفت إليها أزمة جديدة تضاهيها خطورة، بعد ترشيح الوزير غطّاس خوري. فالحزب الاشتراكي لا يمانع سحب النائب إيلي عون ابن الدامور، لكنّ هذا سيجعل اللائحة من دون مرشّح ماروني من ساحل الشوف، ما يرفع نسبة الأصوات التي سينالها مرشّح التيار الوطني الحرّ الوزير السابق ماريو عون، والمرشّح على لائحة الوزير السابق وئام وهّاب زياد الشويري، ابن الدامور أيضاً. ولا يبدو المستقبل أيضاً مرتاحاً في حسابات الاشتراكي والقوات، إذ إن التوزيعة الحاليّة للمقاعد تضع خوري في عين الخطر لضعفه في الساحة المسيحية، وعدم قدرة المستقبل على توزيع الأصوات السنية لمرشّحَين بشكل متوازن في ظلّ أزمة برجا. وتبقى أزمة جنبلاط العميقة في قدرته على توزيع أصواته التفضيلية، إذ إن التهديد يطال النائب نعمة طعمة تحديداً، إذا ما فضّل جنبلاط التركيز على مرشّحَيه الدرزيين، تيمور جنبلاط والنائب مروان حمادة، وضمان بقائهما على برّ الأمان بالصوت التفضيلي. غير أن التحالف لا يعاني من شوائب في عاليه التي يشكّل فيها أنيس النصّار تقاطعاً بين القوات وجنبلاط، الذي تربطه بنصّار علاقة خلفيتها تعاونهما على بناء فرع لجامعة البلمند في سوق الغرب، بعد أن قدّم جنبلاط الأرض وتكفّل نصّار بالبناء. ويبدو أن جنبلاط سيحافظ على ترشيح النائب هنري حلو، بعد تخلّي القوات أيضاً عن المطالبة بمرشّح ماروني في عاليه.

تحالف ثلاثي مقابل

كل هذه المشاكل، لم تدفع أخصام جنبلاط إلى تشكيل لائحة واحدة تهدّد فعليّاً لائحة الثلاثي، مع أن جنبلاط قدّم الذرائع السياسية المناسبة لفريق 8 آذار لخوض معركة سياسية بوجهه، بعد تحالفه مع القوات والمستقبل. وبدل ذلك، لا تزال قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر يتخبطّون في لائحتين على الأقل، ما يُضعف فرص الربح الذي تؤكّد ماكينات حزب الله أنه كان يمكن أن يرتفع إلى خمسة مقاعد في حال تأليف لائحة واحدة متماسكة، بدل الفوز بثلاثة مقاعد مضمونة، هي مقعد النائب طلال أرسلان الذي ترك جنبلاط له مكاناً فارغاً على لائحته بعدم ترشيح درزي ثاني إلى جانب النائب أكرم شهيب، ومقعد الوزير سيزار أبي خليل في عاليه ومقعد ماروني في الشوف.
رسميّاً، هناك تحالف ثلاثي أيضاً حُسم في الدائرة، بين التيار الوطني الحر والحزب الديموقراطي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي. إلّا أن هذا التحالف أيضاً يعاني من عدّة عُقد، قد يكون بعضها مستعصياً، مع فشل تشكيل لائحة موحّدة مع وهّاب، أمام إصرار أرسلان على رفض ذلك. ويمكن ربط رفض أرسلان التحالف مع وهّاب بعدّة عوامل؛ فالتحالف مع وهّاب يعني اعترافاً من أرسلان بـ«ثلاثية» درزية بدل الثنائية التي يتمسّك بها الآن، مع اعتقاد أرسلان بأن وهّاب «يأكل من صحنه الدرزي» بدل صحن جنبلاط.

عقدة برجا لم تُحلّ ويستفيد منها وهّاب واللواء علي الحاج

انيها، عدم رغبة أرسلان في خيار مواجهة جدّية مع جنبلاط، الذي يحرص دائماً على عدم تهديد مقعد أرسلان في عاليه، وبدل ذلك استيعابه. ويعترض أرسلان أيضاً على سلوك ثنائي حركة أمل وحزب الله، وتحديداً على مراعاة الرئيس نبيه برّي لجنبلاط، من حاصبيا إلى بيروت إلى بعبدا إلى البقاع الغربي. ومع أن حزب الله حاول العمل على ترتيب الأجواء، وأبدى وهّاب تجاوباً، إلّا أن أرسلان هدّد بالخروج من الانتخابات، ما دفع الحزب إلى التراجع عن رؤيته. ويضع رفض أرسلان حزب الله وسرايا المقاومة في وضع حرج، مع اضطراره إلى تشتيت أصواته بين لائحتين: دعم أرسلان في عاليه ودعم وهّاب في الشوف، الذي يبني معركته على تهديد مقعد حمادة، ووجود تيمور خارج نطاق المنافسة.

أزمة أرسلان ــ التيار الوطني الحر

أزمتان أخريان تتشابكان بين أرسلان والتيار الوطني الحرّ؛ الأولى تتعلّق بعقدة المقعد الأرثوذوكسي في عاليه، الذي يصرّ أرسلان على ترشيح مروان بو فاضل عليه، مع تمسّك التيار الوطني الحر بمرشّحه إيلي حنّا، فيما يتمسّك أرسلان بترشيح المدير العام لقوى الأمن الداخلي علي الحاج وأسعد عويدات عن المقعدين السنيين في الشوف، ويرغب التيار الوطني الحرّ في استمرار ترشيح الوزير طارق الخطيب. إلّا أن مصادر متابعة أكّدت لـ«الأخبار» أن «ترشيح عويدات ليس نهائيّاً، بل يخضع للتفاوض»، وأن «أرسلان يتركه للتفاوض على سحب إيلي حنّا». في المقابل، يبدو إصرار أرسلان على ترشيح أبو فاضل مناسباً لوزير الطاقة، الذي يرى بدوره أن حنّا ينافسه على أصوات التيار الوطني الحرّ، وأن الأصوات الأرثوذوكسية التفضيلية التي كان من المفترض أن ينالها، ستكون حكماً من حصّة حنّا، الذي قام بنشاط واسع في الأشهر الماضية، فيما تقول مصادر أخرى إن «التيار الوطني الحرّ يعرض على أرسلان إقناع مرشّح الحزب القومي عن المقعد الدرزي في عاليه حسام العسراوي بالانسحاب، مقابل انسحاب أبي فاضل». ومن المتوقّع أن يجتمع أرسلان بالوزير جبران باسيل يوم الإثنين المقبل، للبحث في تفاصيل التحالف والانتهاء من تشكيل اللائحة.

هل ينسحب العسراوي؟

إلّا أن انسحاب العسراوي يشكّل معضلة أخرى لا تقلّ صعوبة عمّا سبق، بالنسبة إلى أرسلان والحزب القومي الذي يتمسّك بالتحالف مع أرسلان من خلفيّة سياسيّة، وليس مصلحيّة. وهو الذي رفض عرضاً من التيار الوطني الحرّ بتشكيل لائحة من دون أرسلان، تضمّ العسراوي في عاليه وسمير عون عن القومي في الشوف، مع اشتراك القومي والتيار في تسمية ماروني ثانٍ على اللائحة إلى جانب ماريو عون، وابتعد عن التحالف مع وهّاب إرضاءً لأرسلان. ويستفيد الحزب القومي من أن مرشّحه الماروني في الشوف سمير عون سيمثّل قرى الجرد المارونية، كونه المرشّح الوحيد في هذه المنطقة، لكنّه يخسر زخم أصواته في عاليه، في حال لم يكن للقوميين مرشّح في الدائرة الصغرى على الأقل، بينما يستطيع شدّ عصبه مع وجود مرشّح دزري مثل العسراوي، الذي لا تربطه علاقة جيّدة بأرسلان، وكان يسعى إلى التحالف مع وهّاب. وبلا شكّ، ينزعج القوميون من أن أرسلان عمد إلى ترشيح وسام شرّوف في حاصبيا في وجه النائب أنور الخليل، لعلمهم بأن شرّوف لا يهدّد مقعد الخليل، بل يأخذ أصواتاً من العائلات الدرزية التي تقترع لرئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان. وفيما يعتبر جزء من قيادة القومي أن ترشيح شرّوف هدفه الضغط على القومي لسحب العسراوي، تشير الأجواء في حاصبيا إلى أن شروف سيكمل معركته ولن ينسحب. وقالت مصادر في الحزب الديموقراطي لـ«الأخبار» إن «جمهورنا في حاصبيا غاضب إلى درجة أن البعض فكّر في قطع الطرقات اعتراضاً على فرض الخليل عليهم، لذلك قرارنا حتى الآن هو الاستمرار في ترشيح شرّوف، والصديق أسعد حردان يعرف أننا لا نهدف إلى منافسته بل منافسة الخليل، خصوصاً أننا حُرمنا من مواجهة جنبلاط في أكثر من دائرة». ومن الممكن أن تذهب الأمور بعيداً، في حال حسم القومي تحالفه مع أرسلان وتقرّر سحب العسراوي، إلى إمكانية استمرار العسراوي في المعركة ودخوله في لائحة وهّاب، خلافاً لقرار قيادة الحزب.



لمسات أخيرة على لائحة وهّاب

باتت لائحة الوزير السابق وئام وهّاب شبه منجزة بتحالفه مع النائب السابق زاهر الخطيب والياس البراج في برجا، وزياد الشويري في الدامور، مستفيداً من غياب مرشّحين على لوائح جنبلاط من برجا ومن ساحل الشوف.
وفي عاليه، تضمّ لائحة وهّاب سهيل بجاني رئيس بلدية الكحالة السابق ووليد خير الله رئيس بلدية بحمدون السابق. ويترك وهّاب «مكاناً محفوظاً» لمرشّح الحزب القومي في عاليه حسام العسراوي على لائحته، في حال اختلفت الظروف الحالية. إلّا أن نقاشاً يجري بين وهاب والأميرة حياة أرسلان في عاليه لضمّها إلى اللائحة، في ظلّ عدم حسم أمرها إلى جانب لوائح المجتمع المدني. ويمكن في حال انضمام العسراوي أو حياة أرسلان، انسحاب أحد المرشحَين الدرزيين لوهاب في عاليه، خالد خداج أو شفيق باز. كذلك يمكن أن ينضمّ إلى لائحة وهّاب غسان نعيم مغبغب، الذي يفاوض بدوره مع رئيس حزب الوطنيين الأحرار دوري شمعون وحزب الكتائب ليكون على اللائحة التي يشكّلها الثنائي في الشوف وعاليه.
وإلى جانب اللوائح الأربع، لا تزال لائحتان لـ«المجمتع المدني» في طور التبلور، تضمّ إحداهما ماهر أبو شقرا ورانيا غيث والإعلامية غادة عيد، ولائحة أخرى من بين أسمائها مارك ضو.