انتقال موعد جلسة مجلس النواب من البارحة الى 29 ايار بجدول الاعمال نفسه، يوحي، في الظاهر على الاقل، باشارة الى احتمال تكرار سيناريو 2013 عندما تعذر الاتفاق على قانون جديد للانتخاب، فذهب البرلمان الى جلسة 31 ايار، اليوم الاخير من العقد العادي الاول، كي يمدد الولاية سنة وستة اشهر.
لم يكن تبقى من موعد نهاية الولاية القانونية سوى 19 يوماً، نُظر اليها على انها غير كافية بعد نشر قانون التمديد في 6 حزيران، فتقلصت المدة الفاصلة الى اقل من اسبوعين لا تتيح بدورها سلسلة اجراءات متلاحقة تبدأ ببت المجلس الدستوري طعنين احيلا عليه من الرئيس السابق ميشال سليمان وتكتل التغيير والاصلاح واصداره قراره، ومن ثم التئام مجلس النواب للعودة عن قانون التمديد والذهاب الى آخر جديد، ومنه الى الانتخابات النيابية. لم يحصل اي من ذلك، ما خلا قرار المجلس الدستوري الذي اباح التمديد تحت وطأة عامل الوقت والهلع من الفراغ الوشيك.
كأن شيئاً لم يتغير الآن عن ذلك اليوم في التعامل مع المهل المهدورة. جلسة 29 ايار ستكون الاخيرة في العقد الحالي، بجدول الاعمال نفسه الذي يلحظ اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تمديد ثالث للولاية سنة كاملة.

مَن ينقذ الافرقاء
من ورطة عدم
الاتفاق باعادتهم
الى قانون 2008؟


ثمة فارق جوهري بين الامس والغد، هو ان استخدام رئيس الجمهورية ميشال عون المادة 59 وتجميده اعمال البرلمان شهراً اطاح تماماً العودة الى اقتراح التمديد، بشهادة سلسلة مواقف الشهر المنصرم على لسان الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وسواهما برفضهم الرجوع الى هذا الخيار. وهي الفائدة الوحيدة تقريباً التي جناها استخدام الرئيس، للمرة الاولى منذ عام 1926، المادة 59، وبدا ان ذلك فقط هو كل ما يسعها فعله.
بيد ان المشكلة منذ استخدام الصلاحية تلك في 13 نيسان لا تزال نفسها، من غير ان يكون في امكان رئيس الجمهورية اللجوء الى صلاحية اخرى مماثلة بفاعليتها. رغم اصرار زعماء الكتل الرئيسية على رفض تمديد الولاية، اخفقوا حتى اللحظة في الاتفاق على الخيار البديل من الفراغ الكامل الذي لا يزال ماثلاً امامهم، وقد يصبح حقيقة ملزمة منتصف ليل 19 حزيران. الامر الذي يضع امرار الايام الفاصلة عن 29 ايار في بضعة معطيات:
اولها، ان تمسك رؤساء الكتل برفض التمديد، تأكيداً لما ادلوا به قبلاً، من شأنه تطيير نصاب جلسة 29 ايار على غرار ما حدث لجلسة 15 ايار امس. وهو ما لمّح اليه رئيس المجلس الاسبوع الفائت عندما توقع تأجيل جلسة امس، بالقول ان انعقادها مرتبط فحسب بتوافق الافرقاء على قانون جديد للانتخاب. من دون قانون جديد لا جلسة، وليس ثمة حظ للخوض مجدداً في تمديد الولاية. ما يشير الى ان الموعد المقبل مرشح لأن يشهد المأزق نفسه. ما لم يُتفق على صيغة جديدة لقانون الانتخاب فإن جلسة 29 ايار برسم التأجيل ايضاً. تالياً يفقد البرلمان المبادرة منذ 31 ايار ما لم يصدر رئيس الجمهورية مرسوم عقد استثنائي له.
ثانيها، سيكون من الصعب على الافرقاء اشهار استسلامهم، باعلان عجزهم عن الاتفاق على قانون جديد للانتخاب حتى 29 ايار، وذلك يعني ان اياً منهم ــــ او متضافرين حتى ــــ لن يكون في وسعه التجرؤ على طلب العودة الى القانون النافذ (قانون 2008)، كي تلتئم جلسة 29 ايار من اجل تعديل المهل التي ينص عليها القانون الحالي، ومن ثم تعديل ولاية المجلس بارجاء الانتخابات ثلاثة اشهر حتى ايلول، تجري عندئذ وفق احكام هذا القانون تحت غطاء تمديد تقني. كل الافرقاء شهّروا بقانون 2008 ورفضوه، واعلنوا الحرب عليه، وبينهم مَن اقسم بعدم العودة اليه، ما يجعلهم جميعاً في حاجة الى «منقذ» من هذه الورطة. في ظل تعذر قانون بديل وتهاوي المهل، وتبعاً لذلك الرفض المسبق للتمديد، لا يعود امامهم الا الفراغ.
ومقدار ما يُعدّ الفراغ تهوراً دستورياً يُسأل عنه الجميع بلا استثناء، والتمديد انتهاك دستوري، فإن العمل بالقانون الحالي يمسي في مكانه الطبيعي. لا يزال نافذاً واحكامه سارية الى ان يُلغى بقانون آخر. ومع انهم بكّروا اكثر مما ينبغي في نعي قانون 2008 في السنتين الاخيرتين على الاقل، الا ان بين المسؤولين مَن بات يتحدث عن مفاضلة بين القانون النافذ وكل من التمديد والفراغ، من ضمن المفاضلة بين السيئ والاسوأ، ومَن يتحدث عن ان اللبنانيين تعوّدوا على قانون اقترع في ظله الاجداد ثم الآباء والآن الابناء.
ثالثها، من شأن صدور مرسوم عقد استثنائي ــــ وهو والمادة 59 سلاحان لوّح رئيس الجمهورية باستخدامهما لمنع تمديد الولاية ــــ قبل الوصول الى جلسة 29 ايار ارسال اشارة ايجابية الى ان الابواب لا تزال موصدة دون تمديد الولاية، وتالياً حصر الخيارات باحد اثنين لا ثالث لهما يمران حتماً بساحة النجمة: الاتفاق على قانون جديد للانتخاب او تعديل مهل القانون النافذ بغية العودة الى احكامه. ثمة قاسم مشترك بات يجمع الافرقاء عليه، على وفرة الصيغ المتداولة بين ايديهم، هو انهم ذاهبون في وقت قريب الى انتخابات نيابية عامة، وتالياً تخليهم القاطع عن التمديد الطويل الامد وعن الفراغ. بل لم يعد يُسمَع اي من المعنيين يهدّد بالتمديد او يهوّل به، او يُسوّق له حتى. والواضح ان الجميع صاروا يتعاملون مع اقتراح جلسة 13 نيسان على انه اصبح من الماضي.