أدت نتائج الانتخابات التمهيدية في حزب «العمل» الإسرائيلي إلى إطاحة رئيسه يتسحاق هرتسوغ، من دون أن تحسم هوية الرئيس المقبل الذي من المفترض أن يتحدد يوم الاثنين المقبل. ومع أنه ليس مفاجئاً سقوط هرتسوغ في الانتخابات التمهيدية، فإنه هزيمته كانت قاسية جداً، بعدما حرمته النتائج المنافسة على المنصب في جولة ثانية، وذلك على خلفية حلوله في المرتبة الثالثة، ونيله أقل من 17% من أصوات المقترعين.
وباتت المنافسة الآن على منصب رئاسة «العمل»، محصورة بين رئيسه السابق عمير بيرتس، الذي احتل المرتبة الأولى بنيله 32.7% من الأصوات، وآفي غباي الذي احتل الثانية بـ27%.
مع أن المقترعين في «العمل» واصلوا تقليدهم المعتمد خلال السنوات الأخيرة في الانتخابات الداخلية، عبر إسقاط رئيسهم، كما حدث لسلفه سابقاً (بيرتس)، وبعدما أمضى هرتسوغ نحو ثلاث سنوات ونصف في رئاسة هذا الحزب، فإن التراجع الذي أصاب مجمله منذ سبعة عشر عاماً، وفقدان أي من المرشحين لمنصب الرئاسة الكاريزما التي تمكنه من جذب الناخبين وتعزيز مكانة «العمل» وسط الجمهور... كل ذلك أسهم في إضفاء قدر من الضبابية حول نتائج الانتخابات، وجعل كل السيناريوات محتملة منذ ما قبل إجراء الانتخابات، وهو ما أدركه هرتسوغ في الأسابيع الأخيرة. ونتيجة ذلك، باتت كل الخيارات قائمة لديه بما فيها فرضية رحيله من الرئاسة.

تراجعت مكانة «العمل»
بعد اندلاع انتفاضة
الأقصى عام 2000


ومع أن انتخابات حزب «العمل»، حظيت بقدر من التغطية والاهتمام في الوسط الاعلامي، فإنها لم تلق اهتماماً استثنائياً في الساحة السياسية الإسرائيلية. وأياً كانت العوامل الظرفية التي قد تفسر السقوط المدوي لهرتسوغ، فإنها تعود في جذورها إلى التراجع الحاد الذي شهده الحزب على المستويين السياسي والشعبي. وبدأ هذا المسار الانحداري منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد وانطلاقة «انتفاضة الأقصى» نهاية عام 2000، التي عكست وأدت في آن، إلى فشل مشروعه السياسي وأسقطت رهانات الجمهور الإسرائيلي على قيادته «الدولة» في مواجهة التحديات الإقليمية والداخلية.
منذ ذلك الحين، تراجعت مكانة «العمل» من حزب منافس على رئاسة الحكومة في مواجهة «الليكود»، إلى حزب رديف لحزب السلطة، سواء أكان «الليكود»، أم «كاديما» في مرحلة سابقة. هذا الواقع السياسي أدى أيضاً إلى تقلص امتداده الشعبي. لكن في مرحلة هرتسوغ انحدرت مكانة «العمل» إلى الحضيض على المستويين السياسي والمعنوي، خاصة بعدما بدا كمن يتوسل السبل للانضمام إلى حكومة بنيامين نتنياهو، وذلك من بوابة مساعدته على مواجهة شركائه الأكثر تطرفاً في معسكر اليمين.
لم يقتصر الأمر على هذه الميزة، بل حرصت قيادته الحالية على إظهار التقرب إلى معسكر اليمين. وهو ما تجلى في البرنامج السياسي الذي قدمه الحزب مطلع العام الماضي، وكان أقرب إلى خطة معسكر اليمين. إذ دعا فيه إلى «انفصال من جانب واحد» عن الضفة، وذلك على أن يكون جدار الاحتلال هو الحدود. وتمنح المدن الفلسطينية الكبرى إدارة ذاتية، دون أي تواصل مباشر مع العالم الخارجي، لمرحلة تستمر إلى ما لا يقل عن عشر سنوات، إلى حين بدء الحديث عن مفاوضات على أساس حل الدولتين.
يشار إلى أن عدد الأعضاء المنتسبين إلى «العمل» يصل إلى 52.504 ناخبين. وجرت الانتخابات في 80 صندوق اقتراع موزعة في مختلف أنحاء فلسطين المحتلة. وبدأت المنافسة على منصب رئاسة الحزب، بين تسعة مرشحين، استقال منهم عميرام ليفين الذي أعلن دعمه لغباي، ودينا ديان التي أعلنت دعمها لهرتسوغ.
وتعليقاً على نتائج الانتخابات، عبّر بيرتس، عن تفاخره بـ«الإنجاز» الذي حققه، مؤكداً أن الفوز سيكون من نصيبه في الجولة الثانية، ومتعهداً بأن يبدأ بعد فوزه معركة استبدال سلطة نتنياهو. أما هرتسوغ، فأعرب عن احترامه قرار الناخبين، معبّراً في الوقت نفسه عن أسفه على المستوى الشخصي والسياسي والفكري. وفي ما يتعلق بمستقبله السياسي والتنظيمي، أوضح أنه سيتشاور مع أصدقائه حول دعمه أحد المرشحين في الجولة الثانية.
على المستوى السياسي، طرحت نتائج هذه الانتخابات تساؤلات عن مستقبل التكتل مع حزب «الحركة» الذي ترأسُه تسيبي ليفني، في إطار كتلة «المعسكر الصهيوني»، التي تتمثل بـ24 مقعداً في الكنيست، موزعة بين 19 عضواً لمصلحة «العمل»، وخمسة أعضاء لـ«الحركة».