كان | كل الظروف كانت مواتية لضمان انطلاقة موفقة للدورة السبعين من مهرجان «كان» السينمائي. بداية بالطقس المشمس، الذي أتاح لاحتفال الافتتاح، الذي أقيم مساء أمس، أن يجري في أجواء غير ماطرة، بعد أربعة مواسم متتالية ألقت خلالها المظلات الواقية من المطر بظلالها على البساط الأحمر، وصولاً إلى التشكيلة المميزة من النجوم الذين صعدوا سلالم المهرجان، خلال هذه الأمسية الأولى، يتقدمهم أبطال فيلم الافتتاح «أشباح إسماعيل»: ماريون كوتيار، شارلوت غينسبورغ، ماثيو أمالريك، لوي غاريل والمخرج أرنو ديبليشان.
وقد استُقبل فريق الفيلم بموجات من الترحيب والتصفيق، على أثر الحفاوة النقدية التي حظي بها هذا العمل الافتتاحي، خلال العرض الصحافي الأوّل، الذي أقيم صباح أمس.
من نجوم البساط الأحمر الافتتاحي أيضاً أعضاء لجنة التحكيم، برئاسة المعلّم الإسباني بيدرو ألمودوفار، الذي تألق على البساط الأحمر محاطاً برفيقاته ورفاقه في اللجنة، المخرجة الألمانية مارين أده، والنجمة الأميركية جيسيكا شاستين، وزميلتيها الفرنسية أنياس جاوي والصينية فان بينغ بينغ، والنجم ويل سميث، والمخرج الإيطالي باولو سورانتينو.
كما تألقت أيضاً على البساط الأحمر، النجمة الأوسترالية نيكول كيدمان، التي ستبقى مشاركتها خلال هذه الدورة في سجل الأرقام القياسية للمهرجان، إذ إنّها أوّل ممثلة في تاريخ الكروازيت تشارك في أربعة أعمال خلال دورة واحدة، من بينها فيلمان في المسابقة الرسمية، وهما «الفريسة» لصوفيا كوبولا، و«اغتيال الأيل المقدس» ليورغوس لانثيموس، وثالث خارج المسابقة، وهو «كيف تتحدث إلى الفتيات في الحفلات الراقصة» لجون كامرون ميتشل، ومسلسل تلفزيوني سيقدم ضمن «العروض الخاصة»، وهو Top or the Lake لجين كامبيون.
على صعيد الأفلام، شكّل العمل الافتتاحي «أشباح إسماعيل» بادرة تبشر بموسم خصب. هذا الشريط يعد العمل الحادي عشر لأرنو ديبليشان، الذي كانت الكروازيت قد اكتشفته منذ عمله الروائي الثاني «كيف تعاركت (من أجل حياتي الجنسية)» في عام 1996. وها هو يستعيد، بعد عشرين سنة، في «أشباح إسماعيل»، التيمة الحميمة ذاتها (القلق الوجودي لمخرج سينمائي خلال فترة كتابة أعماله)، والتمزّق العاطفي ذاته بين امرأتين: «سيلفيا»، التي أدت دورها ماريان دونيكور في «كيف تعاركت...»، وأسند دورها في «أشباح إسماعيل» الى شارلوت غينسبورغ، و«إستر» (إيمانويل ديموس) التي أصبح اسمها هنا «كارلوتا» (ماريون كوتيار). كما استعاد صاحب «حياة الموتى» (1991) في عمله الجديد هذا شخصية «ديدالوس»، التي يعرف محبو أفلامه أنها المعادل الروائي للمخرج نفسه. لكنه، إمعاناً في المراوغة، أسند دورها إلى لوي غاريل، بينما أسند إلى ماثيو أمالريك، الذي لعب دور «بول ديدالوس» في «كيف تعاركت...»، شخصية مخرج يدعى «إسماعيل فيفييه». وإذا بـ«ديدالوس» يتحوّل إلى شخصية روائية في «فيلم داخل الفيلم» يقوم إسماعيل بإخراجه!
من خلال هذه الحبكة الفلاشباكية المخاتلة، نجح ديبليشان في إدارة لعبة مرايا محكمة لم يطرق من خلالها تيمة القلق الوجودي الذي يرافق العملية الإبداعية فحسب، من «الفيلم داخل الفيلم» الذي يصوّره بطله إسماعيل، بل مدّ جسور المساءلة والمقارنة إلى بدايات تجربته السينمائية، من خلال استعادة شخوص وأجواء وتمزقات «كيف تعاركت...»، الذي صنع شهرته كواحد من أقطاب «الموجة الجديدة... الجديدة» في فرنسا.
الحفاوة التي حظي بها الفيلم، أعادت طرح السؤال المعتاد: لماذا أُدرج هذا العمل خارج المسابقة، في حين كان ممكناً أن يُعرض في الافتتاح ويدخل المنافسة على «السعفة الذهبية» في الآن نفسه؟ بكل الأحوال، يبشّر المستوى الراقي لهذا الفيلم بموسم خصب للسينما الفرنسية في هذه الدورة، إذ ستدخل السباق تباعاً خمسة أعمال فرنسية أخرى. سيكون أوّلها من إخراج بطل «أشباح إسماعيل»، ماثيو أمالريك، الذي سيُعرض جديده «باربرا» (عن سيرة أيقونة أغنية النص الفرنسية)، مساء اليوم الخميس، في افتتاح تظاهرة «نظرة ما».