بعد الرفض الكوري الشمالي للقاء مسؤولين أميركيين في كوريا الجنوبية، على هامش ألعاب الأولمبياد الشتوي، واصل نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، التصعيد والهجوم ضد بيونغ يانغ، داعياً إلى «الاستمرار في عزل كوريا الشمالية اقتصادياً ودبلوماسياً».
وفي حديثه إلى الصحافيين في طريق عودته إلى واشنطن، أول من أمس، بعد حضوره افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقامة في مدينة بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية، قال بنس إن بلاده وكوريا الجنوبية «لا تزالان متّحدتَين في معارضتهما للبرنامج النووي لكوريا الشمالية»، مضيفاً أنه أكّد مع الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي إن، أن واشنطن وسيول والحليفة طوكيو ستواصل «الوقوف بثبات» وستنسق جهودها في مواجهة برنامجَي كوريا الشمالية الباليستي والنووي، على الرغم مما حدث من تقارب دبلوماسي بين الكوريتين خلال الأولمبياد.
بنس الذي انتقدت الصحافة الأميركية جولته الآسيوية قبل قيامه بها، لم يسلَم بعد انتهاء الجولة من الانتقادات اللاذعة وعدم الرضى عن أدائه. فصحيفة «واشنطن بوست»، وصفت ما يقوم به في سيول بأنه «محاولات رامية لاستغلال حدث دورة الألعاب الأولمبية» من أجل اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه البرنامج النووي لكوريا الشمالية، لكنها «كانت قصيرة الأجل». ولفتت الصحيفة في سياق تقريرٍ لها أول من أمس، إلى أنه على الرغم من قضاء بنس الأيام التي سبقت انطلاق فعاليات دورة الألعاب الأولمبية الجمعة في محاولة «استغلال دعاية الحدث» وتوجهه نحو دعوة المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه بيونغ يانغ، إلا أن الترحيب بالوفد الكوري الشمالي المشارك في دورة الألعاب بأذرع مفتوحة ووصف الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي، دورة الألعاب بـ«أولمبياد السلام»، أظهر الولايات المتحدة كأنها «تُركت وحدها في العراء».
وأشارت «واشنطن بوست» إلى أن مون كان مبتسماً طوال الوقت عند استقباله كيم يو جونغ، شقيقة الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، والرئيس الفخري للشمال كيم يونغ نام، حيث دعاهما إلى مأدبة غداء في مقر الرئاسة الكورية الجنوبية ــ البيت الأزرق، في إشارة تعدّ الأقوى لتوسيع العلاقات الدبلوماسية بينهما، الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة.
وفي سياق العلاقات الكورية ــ الكورية التي تتقارب بوتيرة سريعة، ذكرت وكالة «الأنباء الكورية الشمالية» أمس، أن وفدها إلى دورة الألعاب الأولمبية أجرى محادثات «صريحة وصادقة» مع الرئيس مون. وقالت الوكالة إن كيم يو جونغ، التي تترأس وفد بلادها، «سلّمت رسالة شخصية من شقيقها إلى مون خلال المحادثات التي جرت بينهما». وقد لفتت إطلالة جونغ الأنظار، وبخاصة الصحافة الأميركية التي تحدثت عن حضورها الهادئ. وقد وصفتها «واشنطن بوست» بأنها «أميرة سياسية خطفت الأضواء بمشاركتها في حفل الافتتاح». وشبَّه سو مي تيري، وهو محلل في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، جونغ، بأنها «إيفانكا ترامب كوريا الشمالية»، بسبب الروابط العائلية لها، وكذلك لأن كيم أرسل شقيقته إلى مراسم الافتتاح، فيما اختار ترامب ابنته إيفانكا لحفل الختام. أما صحيفة «الغارديان»، فوصفت جونغ بـ«المتواضعة».
بالعودة إلى الرسالة، قال مسؤولون في كوريا الجنوبية إن مون تلقى دعوة لزيارة بيونغ يانغ لإجراء محادثات كيم. وذكر المسؤولون أن كيم يو جونغ قالت للرئيس الكوري الجنوبي إنّ شقيقها «يريد أن يجتمع معه في المستقبل القريب، ويريده أن يزور كوريا الشمالية»، وأضافت «نودُّ أن يصبح مون طرفاً في فصل جديد للتوصل إلى الوحدة بهدف تحقيق أثر تاريخي عظيم». وقال المتحدث باسم البيت الأزرق، كيم أوي كيوم، أمس، إن مون رد قائلاً «دعونا نهيئ الأجواء كي نتمكن من تحقيق ذلك». وأضاف أن الرئيس الكوري الجنوبي دعا بيونغ يانغ إلى السعي لفتح «حوار يعتبر ضرورياً للغاية» مع واشنطن.
الجدير بالذكر، أنه في حال حصول الزيارة، فإنّ هذه القمة ستكون الثالثة من نوعها بعد لقاءين بين كيم جونغ إيل، والد الرئيس الكوري الشمالي الحالي، والكوريين الجنوبيين كيم داي جونغ، وروه مو هيون، عامي 2000 و2007 في بيونغ يانغ. ولم يرد مون على الفور على الدعوة التي قد تؤثر على العلاقات بين مون، المؤيد للحوار مع الشطر الشمالي، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي تبادل التهديدات مع كيم جونغ أون طوال العام الماضي.

دعا بنس إلى الاستمرار في عزل كوريا الشمالية اقتصادياً ودبلوماسياً


وعلى هذا الصعيد، علقّ الأستاذ روبرت كيلي، من جامعة «بوسان» في سيول، بالقول إن «محاولة الانفتاح الأولمبية تهدف إلى تعميق الانقسام الموجود أصلاً بين الولايات المتحدة (في عهد ترامب المتشدد في قضية كوريا الشمالية) وكوريا الجنوبية في عهد مون (الملتزم بالحوار)»، علماً بأنّ واشنطن تصرّ على أنه يتعين على بيونغ يانغ «اتخاذ خطوات ملموسة نحو نزع الأسلحة النووية قبل البدء بأي محادثات» في حين يؤكد مون «على ضرورة الانخراط بشكل أكبر مع كوريا الشمالية لجرها إلى طاولة المفاوضات».
في السياق، اعتبرت وكالة «رويترز» في تقرير لها أنّ كوريا الشمالية «برزت كأول المرشحين لانتزاع واحدة من أهم الميداليات في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وهي الميدالية الذهبية الدبلوماسية». وقالت إنّ هذا التقويم جاء على لسان مسؤول سابق في حكومة كوريا الجنوبية وخبراء سياسيين «يقولون إنّ كوريا الشمالية استغلت الألعاب الأولمبية لدق إسفين بين كوريا الجنوبية وحليفتها الولايات المتحدة ولتخفيف الضغط على الأرجح على الدولة التي أصابتها العقوبات بالشلل».
ونقلت الوكالة عن كيم سونغ ــ هان الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في كوريا الجنوبية في عامي 2012 و2013 ويعمل حالياً مدرساً في جامعة سيول «يبدو واضحاً أنّ كوريا الشمالية ستفوز بالذهب»، مضيفاً: «كل الأضواء مسلطة على وفدها ورياضييها، وشقيقة كيم جونغ أون توزع الابتسامات الرقيقة على الجمهور الكوري الجنوبي والعالم. لقد ظهرت كدولة طبيعية حتى ولو للحظة».
إلى ذلك، دعت عضو المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، الأميركية أنجيلا روجيرو، أمس، إلى ترشيح فريق «هوكي الجليد للسيدات» الموحّد للكوريتين الشمالية والجنوبية، للحصول على جائزة نوبل للسلام. ونقلت «رويترز» عن روجيرو، قولها إنها ستطلب من الآخرين ترشيح الفريق الذي ضم 12 لاعبة من كوريا الشمالية، مضيفة: «باعتباري لاعبة نافست في أربع دورات أولمبية وأدرك أن الأمر لا يتعلق بك أو بفريقك أو ببلادك... فقد رأيت التأثير الذي أحدثه ذلك الليلة الماضية».