طهران | على الرغم من كل الأجواء التي سبقت الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والتي كانت توحي في ظاهرها بتحوّل ما أو بمفاجأة قد توصل السيد إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة، إلا أن انتخاب الرئيس حسن روحاني لولاية ثانية جاء من ضمن سقف التوقعات والتحليلات.
الدعاية الإعلامية والتحشيد الذي سبق، وحماوة المناظرات التي فتحت ملفّات كثيرة، أظهرت انقساماً حاداً أمام الرأي العام الإيراني والعالمي، ولكن ذلك لا يلغي أن خريطة الانتخابات كانت واضحة للمراقب الذي يلاحظ أن راسمي استراتيجيّتها قاموا بتحديد محطاتها الأساسية، موقنين بحتمية فوز روحاني، قبل مدّة طويلة من الانتخابات. وفي هذا المجال، يمكن الدلالة على نقاط عدة، أولاها أن الطرف المحافظ كان يعي أن حظوظه ليست كبيرة، بوجود رئيس كان محافظاً وأصبح معتدلاً بعدما دخل الإصلاحيون تحت عباءته أو دخل هو تحت عباءتهم. وقد رأى التيار الإصلاحي في روحاني شبكة خلاص، بعدما مُهر بتوقيع الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي كان طيفه حاضراً في هذه الانتخابات، حيث نجحت استراتيجيته في إبقاء مرشحه في منصب الرئاسة.

ليست كل الأصوات
التي حصل عليها روحاني من التيار الإصلاحي


من جهة أخرى، أقفلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة ملف انتخابات عام 2009، وأثبتت التجربة بأن ما وُصف بعمليات تزوير طاولت الانتخابات، قبل ثماني سنوات، قد دحضت بالكامل. وهنا يمكن القول إن نسخة عام 2017 تعدّ نموذجاً معكوساً لتلك الانتخابات، ذلك أن أنصار التيار المحافظ في العملية الانتخابية الأخيرة اعتمدوا تكتيك الحشد الجماهيري والدعاية الانتخابية الكبيرة، ونشر صور المهرجانات الحاشدة أمام الرأي العام، كما حصل في مدن أصفهان وطهران ومشهد، وهذا تكيتك آخر اعتمده المرشح مير حسين موسوي عام 2009 في حملته الانتخابية، حين طغى اللون الأخضر الذي كان شعاره الانتخابي على المشهدية العامة في الشوارع وعلى السيارات، وفي كل مكان تقع عليه أنظار المواطنين والمراقبين والإعلاميين، فخُيّل بأن له سيطرة كبيرة على الشارع، ثم أتت النتائج مغايرة لما زُرع في وعي الناس. يومها، لم يتحمّل الشارع الفكرة وشعر الناس بالغبن، فنزلوا إلى الشوارع على مدى ثمانية أشهر هزّت إيران، قبل أن تتمّ السيطرة على الوضع وإنهاء حالة الشغب. في ذلك الوقت، أقرّت قيادات إصلاحية بضرورة العودة إلى لغة الحوار والهدوء بدل التصعيد في الشارع. هذه التجربة عاشها أنصار السيد إبراهيم رئيسي يوم إعلان النتائج، لكن الانضباط لدى قاعدته الشعبية كان أكبر، وفهم الجميع بأن هناك قانوناً ورقابة على الانتخابات، التي سبقها وعد من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي أكد فيه أنه لن يُسمح لأحد بمصادرة رأي الشعب، الأمر الذي شكل ضمانة للجمهور المحافظ.
بناء على ما سبق، يمكن وصف نتيجة هذه الانتخابات بأنها طبيعية، فرغم أن الشارع الإيراني كان يتململ من الأداء الحكومي، وينتقد الحكومة متهماً إياها بأنها لم تنفذ وعودها، لكن الناخب تحرّك وفق العقل الجمعي الذي يقول إن الرئيس غير قادر على تنفيذ كل وعوده في أربع سنوات، بل هو بحاجة إلى دورة إضافية، وهذا ما حصل مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي تعرّض لكثير من النقد في الدورة الأولى، لكنه حصد أصواتاً أكثر في دورته الثانية.
من هنا، توجّه العقل الجمعي، هذه المرة، إلى الشخصية التي جرّبها وأراد إعطاءها فرصة على حساب شخصيات مجهولة لدية إدارياً، فرفض الدخول في المجازفة. وفي هذا المجال، تجدر الإشارة إلى أن الأصوات الممنوحة للرئيس حسن روحاني ليست كلها من التيار الإصلاحي الذي حشد في عام 2013 كل قدراته خلفه بدعم من رفسنجاني، وأوصله بفارق بسيط من الجولة الأولى، فقد صبّت أصوات الرماديين أو المترددين والمحافظين المعتدلين كلها اليوم لمصلحة روحاني، مانحة إياه فوزاً بنسبة 57%، بموازاة وصول نسبة التصويت إلى 73%.