طهران | بعد أسابيع من الدعاية الانتخابية الصاخبة، وما تخلّلها من برامج وتصريحات، دخل الصمت الانتخابي على المشهد الإيراني الحالي، لتبقى الكلمة الفصل لصناديق الاقتراع غداً.
الصورة التي كانت ضبابية مع انطلاق السباق الرئاسي، اتضحت معالمها مع الانسحابين البارزين للمرشحين المحافظ محمد باقر قاليباف والإصلاحي إسحاق جهانغيري، وبالتالي انحسار الاصطفاف السياسي خلف المرشحين الأساسيين الرئيس الحالي الشيخ حسن روحاني والسيد إبراهيم رئيسي، في موازاة رفض المرشح هاشمي طبا ترك الساحة الانتخابية، على الرغم من علمه بانعدام حظوظه في صناديق الاقتراع. أما حزب «المؤتلفة» الإسلامي، فقد أعلن رسمياً انسحاب مرشحه مصطفى مير سليم، داعياً أنصاره إلى التصويت لصالح رئيسي.
وبجردة سريعة للعملية الدعائية، يمكن وصفها بالـ«عادلة» في الإعلام الرسمي المرئي والمسموع والمكتوب، مع بعض الخروقات في الحملات التي أكد مجلس صيانة الدستور أنها لا تؤثّر على المجرى العام لسير الانتخابات الرئاسية. أما المواجهة، فقد كانت حامية عبر الشبكة العنكبوتية التي احتلت أولويات الشارع الإيراني، خصوصاً أن الهواتف الذكية باتت رفيق كل الإيرانيين، ومن خلالها بُثّ ما هو محظور على القنوات الرسمية. هناك، كانت الحرب الإلكترونية مفتوحة بين مختلف المرشحين ومناصريهم، ولا يخفى على أحد تأثيرها الكبير في صناعة الرأي العام، خصوصاً إذا ما أُخذ في الحسبان انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ووجود أكثر من ثلاثين مليون مشترِك إيراني على تطبيق «تلغرام»، الذي سجّل أعلى مستوى تفاعل في تاريخ التطبيقات الذكية في إيران.
مع ذلك، لا يزال من الصعب التنبّؤ بنتيجة التصويت، في الوقت الذي تلعب فيه استطلاعات الرأي غير الدقيقة دوراً غير مساعدٍ في ذلك، إذ إنها تُنشر وتبثّ بما يناسب هوى المرشحين ومناصريهم، في حين تبقى الاحصائيات الرسمية بعيدة عن الإعلام، منعاً للتشويش على أجواء الانتخابات. ولكن الواضح الذي يَرشَح من هذه الإحصائيات هو تقدم الرئيس روحاني على منافسيه، انطلاقاً من الفكرة السائدة لدى الشعب الإيراني، والتي تتمحور حول العرف الذي يحكم بحصول الرئيس على دورتين، في قاعدة لم تُكسر منذ عام 1981.
في غضون ذلك، أنهت وزارة الداخلية الإيرانية كافة التحضيرات، مشيرة إلى أنها ستُعلن نتيجة الانتخابات دفعة واحدة بعد الانتهاء من الفرز في كل المحافظات، في كسرٍ لعرف ينص على إعلان النتائج فور وصولها من مراكز الاقتراع، ما أثار لغطاً. وقد برّر وزير الداخلية رحماني فضلي هذا الأمر بالقول إن «أصوات الناخبين قد تصبّ في بعض المحافظات لمصلحة أحد المرشحين، ويتم إعلان النتائج بناءً عليها، قبل أن تصل نتائج الفرز من محافظات أخرى لمصلحة المرشح الآخر». وبحسب فضلي، غالباً ما يؤدي ذلك إلى تغيّر النتائج، بشكل متواتر، ما قد يخلق حالة من التشويش لدى الرأي العام. ولكن الإعلان الموحد بعد جمع نتائج عمليات الفرز على مستوى البلاد، لم يحبّذه مجلس صيانة الدستور، الذي تمنّى إعلان النتائج بشكل تدريجي، منعاً لوقوع أيّ شائبة في هذه العملية. ويبرّر البعض هذا الطلب، بالإشارة إلى أن مختلف المرشحين ممثَلون في صناديق الاقتراع، وداخل عمليات الفرز، وبالتالي سيقومون بتسريب النتائج لماكيناتهم الانتخابية، ما قد يخلق حالة من الإرباك بين الأرقام الرسمية وغير الرسمية.

أعلن حزب
«مؤتلفة» انسحاب مرشحه ميرسليم

بناء عليه، عادت وزارة الداخلية عن قرارها، في وقت متأخر ليل أمس، وأصدرت بياناً تشير فيه إلى أنها ستعمد إلى إعلان النتائج بشكل تدريجي.
في موازاة ذلك، تشير غالبية التوقعات إلى أن الانتخابات ستُحسم من المرحلة الأولى، بسبب انحصار المنافسة بين رئيسي وروحاني، ما يعني عدم الذهاب إلى دورة ثانية، كون ثنائية التنافس توحي بأن هذا الحدث يجري في دورة انتخابية ثانية. مع ذلك، يُبقي عدم انسحاب المرشحين مير سليم وهاشمي طبا احتمال الذهاب الى الدورة الثانية وارداً، وهو ما ستحسمه صناديق الاقتراع.
وفي داخل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي خاضت أكثر من 39 استحقاقاً انتخابياً، بواقع عملية انتخابية كل عام، تتجه الأنظار بشكل خاص إلى العاصمة طهران، حيث مركز الثقل في السياسية الإيرانية. هناك مركز الإصلاحيين وقاعدتهم الشعبية الأكبر، وهناك شهدت الانتخابات البرلمانية قبل عام فوزاً للائحتهم المدعومة من الراحل آية الله هاشمي رفسنجاني، الذي ترك غيابه أثراً كبيراً في ما يوصف بتيار الاعتدال، إضاقة إلى التيار الإصلاحي، الذي كان يعوّل بشكل كبير على مكانة الرجل في الحياة الإيرانية، وما شكّله من رافعة كبيرة أوصلت روحاني إلى سدة الرئاسة. وهناك، حضر طيف هاشمي رفسنجاني في الانتخابات البلدية، عبر نجله محسن رفسنجاني، الذي ترأس لائحة «الأمل « بوجه لائحة «الخدمة» المحافِظة، التي يرأسها رئيس المجلس البلدي الحالي مهدي شمران. ولكن السيطرة الإصلاحية على مقاعد البرلمان في طهران، وتجيير أصواتها للإصلاحيين، قد لا تكون سارية المفعول في الانتخابات البلدية للعاصمة، التي لا تحكمها التوجهات السياسية، بل تعتمد على المرشحين من كلا الطرفين. وقد يؤدي الفرز إلى تقاسُم الأصوات بين التيارين في المجلس البلدي، مع ترجيح الحصول على الغالبية بمقعد أو مقعدين من أصل المقاعد الـ21. مع ذلك، قد يعيد تزامن هذه الانتخابات مع تلك الرئاسية خلط الأوراق، خصوصاً لناحية توزيع المقاعد بين التيارات السياسية، على ضوء التجاذب الرئاسي.
كثيرة هي التأويلات والتحليلات، إلا أن السياسة الإيرانية طالما اتّسمت بالمفاجآت لتبقى صناديق الاقتراع أصدق إنباءً من التحليل والتأويل.