في الأسبوعين الماضيين، رصدت الحملة الوطنية لدعم لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة مخالفات عدة أتى بعضها من أصحاب القرار ومن إدارات المدارس ومن لجان أهل، وكلها تتمحور حول الأزمة الحالية الناتجة من عدم تطبيق القوانين 11/81 و515/96 (تنظيم الموازنات المدرسية) والقانون 46 (سلسلة الرتب والرواتب).
إبعاد الموازنات عن النقاش

لم تحترم أغلب المدارس المهل القانونية لتقديم الموازنات ومهل لجان الأهل واللجنة المالية لدرسها وإقرارها الموازنات (10 أيام للجنة المالية و15 يوماً للجنة الأهل)، بل تجاوزتها، ما دفع بوزير التربية مروان حمادة إلى تمديد المهلة بناءً على طلب اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، وعزا الأمر إلى أنّ عدداً قليلاً نسبياً من المدارس قدمت موازناتها حتى اليوم.

الغالبية العظمى من المدارس لم تعرض موازناتها على لجان الأهل بل عرضت عليها الزيادات فقط. ومنها من أصدر تعاميم بهذه الزيادات قبل إقرار الموازنة، وهذه مخالفة فاضحة للقانون 515 والمادة 3 منه تحديداً التي تقضي بوجوب إقرار لجان الأهل لمشروع الموازنة قبل عرض ونقاش الزيادة كملحق. ويأتي هذا السلوك المخالف كتكتيك تعتمده غالبية المدارس لإبعاد الموازنات عن النقاش، في حين أن غالبية لجان الأهل وعت حقوقها وتطالب بممارستها والتدقيق في تفاصيل الموازنة.
لقد أصدرت إدارات عدة تعاميم بالزيادات وأبلغتها إلى الأهل، وطلبت منهم تسديدها كإضافة على القسط أو طلبت زيادة الدفعة الثانية من القسط بإقتطاع نسبة من القسط الثالث، وكلا الطلبين مخالفان للقانون، فالقسط الثاني لا يستحق إلاّ بعد إقرار الموازنة، وأي زيادة أو تعديل بنسب الأقساط يجب أن يقر بموجب ملحق بعد موافقة لجان الأهل.
بعض الإدارات عمدت أيضاً إلى فرض أقساط تقديرية على الأهل من دون موافقة لجنة الأهل وطالبت بتحصيلها، على أساس أن قيمة الأقساط تصبح نهائية بعد حل الأزمة. هذه أيضاً مخالفة. إذ لا يحق للمدرسة المطالبة بالقسط إلاّ على أساس الموازنة الموقعة. وآخر موازنة موقعة من الأهل هي للعام السابق، وبالتالي فالقسط الثاني لا يجب أن يتجاوز ما دفعه الأهل في السنة السابقة.
إلى ذلك، لوحظ أن بعض المدارس فرضت غرامة تأخير في المصارف على تسديد القسط منذ سنوات. فمنذ أيام، أرسلت إحدى الإدارات رسالة إلى الأهل تطالبهم فيها بدفع زيادة قيمتها 700 ألف وغرامة تأخير قيمتها 200 ألف!
بعد التقصّي تبين أن إدارة المصرف لا تفرض هذه الغرامة لصالحها بل لصالح إدارة المدرسة بموجب كتاب رسمي مع موافقة لجنة الأهل عليه. وفي هذه الحالة، إذا كان الأمر يجري بموافقة الإدارة لوحدها فهذا يعتبر مخالفة حيث لا يحق لها تقاضي مبالغ من خارج القسط ولو على شكل غرامة تأخير، وفي حال وقّعت لجنة الأهل فعلاً على الكتاب فهذا أمر فظيع، ويستطيع أي من الأهل الإمتناع عن دفع الغرامة، واذا أصرت المدرسة يمكنهم التوجه إلى قضاء العجلة.
في مجال آخر، تغاضت إحدى المدارس عن تنظيم انتخابات لجان أهل في الفصل الأول علماً بأنها تلقت دعوة بذلك من وزارة التربية، في تشرين الثاني الماضي، وحُددت الانتخابات قبل نهاية الفصل الأول كموعد نهائي. لكن الإدارة لم تلتزم بالموعد وأجرت الإنتخابات بعد بداية الفصل الثاني، وهذا مخالف للقانون وتعميم الوزير.
كذلك رفضت الإدارات خلال انتخابات لجان الأهل تأمين لوائح شطب بأسماء الناخبين في المدرسة وتوزيعها على المرشحين، كما قامت بمخالفات مختلفة للقانون العام للانتخابات (ستارة، تكافؤ الفرص، وضع شروط ترشيح غير قانونية، الخ).

مبالغات في الحسابات

كشفت نقاشات مندوبي لجان الأهل مع الإدارات أنّ الأخيرة لديها أحكام مسبقة من مواقف لجان الأهل التي ستكون حتماً رافضة لمشروع الموازنة، ومن المدارس من ماطل في تقديم الموازنات للجنة الأهل، في انتظار إيجاد حلول سياسية وأخرى سلمتها مستندات ناقصة أو لم تسلمها مطلقاً للأهل.
أحد المندوبين قال إنّ ادارة مدرسته توظف فائضاً من المعلمين والموظفين بإعتراف المدير يصل إلى 50 شخصاً، يدفع الأهل رواتبهم وهم لا يعملون. ولما اعترضت لجنة الأهل، قال المدير إنّ القرار مأخوذ على مستوى المؤسسة الأم بعدم صرف أي موظف.
العديد من المندوبين في اللجان المالية يشكون من النواقص في مشروع الموازنة، فجداول الرواتب لا تتضمن الأسماء، والبيانات غير مكتملة ولا يمكن دراسة الموازنة انطلاقاً منها. كذلك فإنّ الملف القانوني غير مكتمل. وفي بعض الحالات، لا تسلم المدرسة إلاّ الأوراق الخمس لمشروع الموازنة من دون أي ملحق. وفي السياق أوردت إحدى المدارس أنّ كلفة التنظيف فيها هي بقيمة تتجاوز 500 الف دولار أي بمعدل 3000 دولار في اليوم!

بعض المدارس
فرضت غرامة تأخير في المصارف على تراكمات الأقساط


مدرسة أخرى أدرجت، تحت بند مساعدة التلامذة المحتاجين، المعفيين من الأقساط كأولاد المعلمين، كذلك الذين يتقاضون مساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعية وأولاد موظفي القطاع العام والعسكر. فأعفتهم بالكامل واحتسبت الفارق لتغطية النسبة المتبقية من حساب مساعدة التلامذة المحتاجين، وتعدّى هذا البند أكثر من مليار ليرة وهو يغطي بشكل كامل أقساط ما نسبته 20% من مجموع التلامذة.
وضمن هذا البند أيضاً، أدخلت إحدى المدارس أولاداً تابعين للمؤسسة صاحبة العقار من دون مقابل، رغم أنّ المدرسة تدفع ايجار العقار. كذلك تراكمت لدى مدرسة ثانية مبالغ ضخمة تعدت المليون دولار، من البند نفسه، لكون الأهل لم يتقدموا بأي مساعدة، والمدرسة لا تزال تورد البند في موازنتها السنوية.
أما بند الإستهلاك فتجاوز في مدارس أخرى 400 مليون ليرة، وهي مدارس لا تملك جردات بالموجودات ولا معايير محددة لبند الإستهلاكات لديها ولا تعرف حتى موجوداتها وأوضاعها.
وعندما طالب بعض الأهل بمصاريف بند التجديد والتطوير، لم يحصلوا على أي جواب بل تداخل هذا البند مع بند الإستهلاكات، علماً بأنّ هذا البند مخصص لدراسات المناهج وتطوير أدوات التعليم ووسائلها وتدريب المعلمين وغيره، وهو باب مضخم لا تفاصيل ولا قيود له، ولا يحصل سنوياً، ويصل في بعض المدارس إلى 450 مليون ليرة. وعندما طالب الأهل بالعقود المبرمة مع الشركات، تنصلت بعض المدارس، فيما لاحظ الأهل أن العقود التي قُدمت مبالغ بها. فعقد التنظيفات مع شركة لمدرسة لا يتجاوز عدد تلامذتها 800 تلميذ وصل إلى 200 الف دولار، وهو مبلغ أكثر من كاف لتوظيف أكثر من 20 عاملاً وحارساً مع إدخالهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، علماً بأنّ الشركة الملتزمة تستخدم عمالاً أجانب (أيام العمل الفعلي 170 يوماً بمعدل 1100 دولار يومياً).
إلى ذلك، اكتشف بعض لجان الأهل مبالغات في أعداد المعلمين وفارقاً بين مجموع ساعات التدريس المسجلة في الجداول وساعات التدريس الأسبوعية القصوى (35 ساعة لكل شعبة). ولما واجهت هذه اللجان إدارات المدارس قيل لها إنّ هذه شؤون تربوية لا دخل لها فيها.
«ولو ما في ثقة؟»، كان هذا الجواب الوحيد الذي كانت لجان الأهل تسمعه في كل مرة تطلب فيها التدقيق بالقيود والمستندات وقطع الحساب والفواتير. وعندما يطلب الأهل البيانات الاسمية الملحقة بالموازنة التي من المفترض أنهم يوقعون عليها تحذف الأسماء عنها، وعندما يسألون عن ذلك يأتيهم الجواب نفسه «ولو ما في ثقة؟».
كذلك فإنّ بعض المدارس سجّلت موظفين إداريين على أنهم هيئة تعليمية وبالعكس.
اللافت أنّ إدارات المدارس ترفض البحث بالمداخيل من خارج الأقساط مثل القرطاسية والثياب والكافيتريا، وعندما يواجهها الأهل بالقانون 515 المادة 8 وبالإستشارة 75/2015 ترفض قبولها، ما دفع إحدى لجان الأهل إلى استقدام عروض ومساطر ملابس مماثلة لثياب المدرسة وبنوعية أفضل، ويوازي سعرها أقل من 60% من السعر المطروح وطرحتها على المدير، فرفض عازياً ذلك إلى أنّ «هذه الأموال تذهب لنشاطات التلامذة وبكرا بتشوفوا وين!».
واجهت عدة لجان أهل الإدارات بطلب الكشف على طلبات الأهالي للمساعدة المالية، والتي من المفترض أن تمر الموافقة عبرها. لكنها لم تحصل على أي معلومة بل على جواب مبهم «ما فينا نتعرض لكرامات الناس».

ضغوط على الأهل والمعلمين

أبلغت بعض المدارس التلامذة في الصفوف، عبر بعض المعلمين، ضرورة أن يسدد أهاليهم الأقساط تحت طائلة الحرمان من العلامات. بعضها لم يسلم العلامات للتلامذة الذين لم يسددوا الأقساط. هذا السلوك فيه تعدٍ على القانون 515 (المادة 10 الفقرة ب)، كما هو مخالف لشرعة حقوق الطفل وأيضاً يشكل ضغطاً على الأطفال ويشعرهم بالدونية والقمع.
إحدى المدارس وجهت كلاماً قاسياً بحق الأهالي واستخدمت عبارات «إجراءات قاسية» بحق المتخلفين عن تسديد القسط، وهي لهجة فيها الكثير من التهديد.
مدرسة أخرى استدعت أحد أولياء الأمور شخصياً ووجهت له إنذاراً خطياً وطلبت توقيعه عليه رغم عدم قانونية فعلتها، ومدرسة ثانية وجهت انذاراً شفهياً لولي أمر آخر.
إلى ذلك، يتعرض الأهالي وأعضاء لجان الأهل لإنذارات وتهديدات تتراوح بين اللطف والكلام الجارح على قاعدة «ما عجبكن خدوا ولادكن وفلّوا».

تواطؤ أصحاب القرار

أصدر وزير التربية قراراً يقضي بتمديد المهلة القانونية لتسليم الموازنات المدرسية شهراً اضافياً، ويعتبر هذا القرار مخالفاً للقانون كون القرار الوزاري لا يوقف قانوناً، ولم يتقدم أي من الأهل أو لجان الأهل أو اتحادات لجان الأهل بأي طعن لدى مجلس شورى الدولة. ويستند القرار إلى المادة 3 من القانون 515/96 ولكنه غفل عن الفقرة «أ» التي تقضي بوجوب تسليم الموازنة قبل نهاية كانون الثاني من كل سنة، أما الملحق بالتعديل على الموازنة والملحوظ في الفقرة «ب» والذي يشمل تعديل على الموازنة بسبب قوانين مستحدثة فهو يلي إقرار الموازنة الأساسية. الملاحظة الثانية هي ربط المهلة بالتوصل إلى اتفاق بخصوص رواتب المعلمين والإشكالية المفتعلة حول قانون السلسلة عبر إصدار صندوق التعويضات المعطل بفعل غياب ممثلي اتحاد المؤسسات التربوية عن اجتماعات الصندوق ورفضهم التوقيع على الدرجات الست والبيانات المناسبة، كما أنّ مشروع الوزير إذا تم التصديق عليه في جلسة مجلس الوزراء المخصصة للتربية فهو يحتاج لصياغته كقانون وللنقاش في اللجان واقراره في مجلس النواب ولن يتحقق بالمهلة المعطاة في القرار، ما يعني أن المهلة الجديدة غير واقعية.
وعطفاً على هذا القرار وحماية لحقوق الأهل وتطبيقًا للقانون كان حرياً بالوزير إصدار قرار واضح يمنع المدارس تقاضي القسط الثاني مع أو من دون الزيادة قبل إقرار الموازنة الجديدة أو التعديل بالدفعات كسلفة من القسط الثالث والتشديد على حق المدرسة فقط بطلب القسط على أساس آخر موازنة موقعة من لجان الأهل أي قسط السنة السابقة في المدارس التي لم توقع فيها لجان الأهل على مشروع موازنتها.

* باحث في التربية والفنون
*بالتعاون مع الحملة الوطنية لدعم لجان الأهل وأولياء الأمور ــــ أمانة السر




* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]